في حي جمعايا بمدينة القامشلي، وُلد ثامر الداود عام 1994، يحمل في داخله حلمًا كبقية شباب جيله. كان يدرس علم الاجتماع حتى السنة الثالثة، حين أجبرته ظروف الثورة السورية عام 2013 على تعليق دراسته وترك مقاعد الجامعة، ليجد نفسه أمام حياة جديدة مليئة بالتحديات.
لم يرضَ ثامر أن يكون التوقف نهاية الطريق، بل اتجه للبحث عن مهنة تتيح له أن يكسب لقمة عيش كريمة. انجذب إلى عالم كهرباء السيارات، بدافع الفضول وحب التعلم. التحق بورشة المعلم المعروف نوبار كريكوريان، الذي لم يتردد في منحه علمه وخبرته. ومن هناك بدأ المشوار.
بعد فترة من التعلم والممارسة، افتتح ثامر ورشته الخاصة. لكن سرعان ما اكتشف أن حاجات الناس أكبر من جدران الورشة. فقد كان الزبائن يتصلون به لإصلاح سياراتهم في البيوت أو على الطرقات. هنا، وُلدت فكرة جديدة: أن يتحول عمله إلى خدمة متنقلة، أشبه بـ”الإسعاف السريع” للسيارات والآلات الزراعية.
جهز نفسه بمولّد صغير، وصار يتنقل في شوارع القامشلي وأسواقها، يصلح الأعطال البسيطة التي لا تستدعي رافعة أو ورشة ثابتة: تبديل غطاس، إصلاح مرشات، معالجة فيوزات محترقة، أو إعادة تشغيل جرار زراعي متوقف في الحقول. بجهوده، وفّر على الناس وقتًا ومالًا، وكان الأثر الأكبر هو شعورهم بالاطمئنان لوجود من يمد لهم يد العون في أي وقت.
لكن الحلم لم يكن يخلو من صعوبات. فثامر كان يعاني نقصًا في الأدوات ومركبة مجهزة تساعده على تقديم خدمات أوسع. وعندما أعلنت منظمة “تمكين الشباب” عن فتح باب التسجيل للمشاريع الريادية، تقدم بفكرته. الفكرة لاقت إعجاب القائمين، فحصل على دعم مكّنه من تطوير ورشته.
ومنذ نحو ثمانية أشهر، أصبح اسمه معروفًا في أحياء القامشلي. يستقبل يوميًا حالتين أو ثلاثًا، يتنقل بين الأسواق والطرقات، يقدم خدماته بإضافة مبلغ بسيط مقابل التنقل لا يتجاوز 30 إلى 50 ألف ليرة سورية. ومع كل إصلاح ينجزه، يكبر بداخله حلم أكبر: تأسيس شركة متكاملة للصيانة المتنقلة، تضم سيارات مجهزة بكوادر متخصصة؛ إحداها للميكانيك الحديث، وأخرى لأعمال الدوزان، وثالثة لإصلاح الإطارات، لتكون خدمة طارئة على مدار الساعة.
بالنسبة لثامر، العمل لم يعد مجرد مهنة. لقد أصبح رسالة. فهو يرى أن في كل عطل يُصلَح، معنى لإغاثة ملهوف، وفي كل رحلة خدمة قصة إنسانية جديدة. واليوم، يطمح أن يجد منظمات أو جمعيات تؤمن بحلمه، وتدعمه لتتحول فكرته من مشروع فردي إلى شركة إنسانية تخدم الناس وتختصر عليهم المشقة، أينما كانوا وفي أي وقت.