حمص: ارتفاع تكاليف البناء وغياب الدعم يعرقلان إعادة الإعمار

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

بعد مرور تسعة أشهر على تحرير مناطق واسعة من حمص وريفها الشمالي من سيطرة الجماعات المسلحة، تشهد المدينة وضواحيها حركة إعمار متزايدة، لكنها تواجه تحديات جمة تهدد استدامتها، أبرزها ارتفاع تكاليف البناء، ونقص العمالة، وغياب شبه تام للدعم من المنظمات المحلية والدولية.

تزايد حركة العمران مع عودة السكان

في تقييم دقيق لحركة الإعمار، قال محمود سليمان، مسؤول الإعلام في منطقة ريف حمص الشمالي في حديث لمنصة سوريا 24، إن “الظاهرة العمرانية في ريف حمص الشمالي، وحتى في مدينة حمص بشكل عام، شهدت تطوراً ملحوظاً منذ بداية مرحلة التحرير”.

وأضاف: “بعد أن هجرت عائلات كثيرة المنطقة خلال سنوات النزاع، بدأت العودة التدريجية، خصوصاً من المناطق الشمالية ومن دول الجوار، ومع عودة هذه العائلات وبعضها يضم أربع عائلات من عائلة واحدة برزت حركة بناء كبيرة في مناطق متعددة من حمص وريفها”.

وأشار سليمان إلى أن “البداية كانت بطيئة، حيث كانت نسبة العمران محدودة في ريف حمص الشمالي، لكنها تزايدت بشكل سريع مع عودة السكان، ما أدى إلى طلب متزايد على العمال والمواد الإنشائية”.

ارتفاع أجور العمال وندرة اليد العاملة

من أبرز التحديات التي تواجه حركة الإعمار، بحسب سليمان، “نقص أعداد العمال المهرة مقارنة بالطلب المتزايد على الأشغال الإنشائية”، وهو ما أدى إلى “ارتفاع كبير في أجور العمال، ما يزيد من تكلفة إعادة البناء أو الترميم”.

وأكد أن “ارتفاع أجور البناء بات أحد العوامل الأساسية التي تثقل كاهل المواطن، خصوصاً مع ارتفاع أسعار مواد البناء مثل الإسمنت والحديد، التي قفزت نسبتها بشكل كبير خلال الفترة الماضية”.

غياب الدعم من المنظمات والجهات المحلية

ورغم تزايد الحاجة للدعم، أوضح سليمان أن “المنظمات والجمعيات المحلية لا تزال غائبة عن المشهد الإنشائي”، مضيفاً: “لا توجد حتى اللحظة أي حركة فعّالة أو مبادرات داعمة تقدم مساعدة حقيقية للأهالي في مجال إعادة الترميم أو الإعمار”.

وأشار إلى أن “الجهود المحدودة التي تبذلها بعض الجهات الحكومية ومحافظة حمص تتركز على إعادة تأهيل المدارس والمستوصفات والمؤسسات العامة، وهو أمر ملموس، لكنه لا يغطي احتياجات المواطنين في إعادة بناء منازلهم المدمرة”.

وحسب سليمان فإن: “أما الجهات الخدمية في المنطقة، فليس لها دور فعّال في دعم الأهالي، باستثناء منح تراخيص البناء، والتي تكون في كثير من الأحيان مكلفة، ما يجعلها مصدر دخل لهم، لكن دون تقديم أي دعم فعلي للمواطنين، وبالتالي، تبقى هذه الجهة الوحيدة التي تستفيد من المواطنين، دون أن تُقدّم أي مساعدة حقيقية في عملية إعادة الإعمار”.

الإعمار على حساب الديون والممتلكات

من جهته، أكد إبراهيم ياسين، أحد سكان ريف حمص الشمالي في حديث لمنصة سوريا 24، أن “حركة الإعمار في حمص ممتازة، وبدأت مظاهر الحياة تعود تدريجياً لأغلب الأحياء”، لكنه أوضح أن “العملية تتم بالكامل على حساب الأهالي أنفسهم”.

وأضاف ياسين: “غالباً ما يلجأ المواطنون إلى الديون، أو بيع قطعة أرض أو عقار ثانٍ يملكونه، أو الاعتماد على دعم أقاربهم وأبنائهم المغتربين. كما هو معلوم، فإن نسبة كبيرة من السوريين باتوا مغتربين في الدول الأوروبية والأمريكية وغيرها، وهم يرسلون مساعدات مالية لذويهم لإعادة بناء منازلهم”.

أجور متباينة للعمال وارتفاع تكاليف البناء

وفيما يتعلق بأجور العمال، أوضح ياسين أن “الأجور تتغير حسب المهنة وطبيعة العمل”، مشيراً إلى أن “متوسط أجر الخبير في مهنته قد يصل إلى أكثر من 50 دولاراً يومياً، وهناك طلب كبير على العمالة هذه الأيام، ما جعل أغلب الورشات تعمل بنظام الورديات”.

أما بالنسبة للعمال العاديين، فقد بيّن أن “متوسط الأجر اليومي يبلغ حوالي 10 دولارات، بينما ينخفض هذا المعدل قليلاً في المصانع والمحال التجارية”.

التحديات: من نقص السيولة إلى غلاء المساكن

وأشار ياسين إلى أن “أبرز التحديات التي تواجه حركة الإعمار هي نقص السيولة لدى الأهالي، وعدم تدخل الجمعيات والمنظمات لمساعدة العائلات التي دُمرت منازلها”، مضيفاً: “الوضع الاقتصادي الصعب يزيد من معاناة الناس، فيما تشهد حمص غلاءً كبيراً في أسعار الشقق والمنازل”.

وأوضح أن “متوسط تكاليف البناء وصل إلى حوالي 200 دولار لكل متر مربع، وذلك قبل حساب سعر قطعة الأرض، الذي يختلف حسب الموقع والمساحة”، ما يجعل عملية البناء أو الترميم عبئاً مالياً ثقيلاً على كاهل معظم العائلات.

إعمار من تحت الرماد لكن بلا دعم

رغم العودة التدريجية للحياة إلى حمص، يبقى الإعمار عملية شاقة، تُدار على وقع تضحيات الأهالي، وغياب التدخل الفاعل من الجهات الرسمية والمنظمات الدولية، فالعوامل الاقتصادية، من غلاء المواد وندرة العمالة إلى ارتفاع التكاليف، تُعقّد من مهمة إعادة البناء، فيما يُترك السكان وحدهم أمام تحديات إعادة تأسيس حياة جديدة، من تحت الرماد، دون دعم حقيقي.

ويُنظر إلى حمص اليوم كنموذج لما يمكن أن تحققه الإرادة الشعبية في ظل غياب الدعم، لكنه في الوقت نفسه تحذير من أن استمرارية الإعمار ستتوقف حتماً إذا لم تُقدَّم آليات دعم مستدامة، تشمل المساعدات المالية، وتوفير المواد الإنشائية، وإطلاق برامج تمويل سكنية ميسّرة، خصوصاً لذوي الدخل المحدود.

مقالات ذات صلة