منذ أكثر من عشر سنوات، اضطرّ أبناء قرية الإخاء، المعروفة محليًا باسم “الزعلانة”، إلى مغادرة ديارهم تحت وابل من القصف، حاملين معهم ما استطاعوا من متاع وذاكرة، تاركين خلفهم منازلهم وحقولهم وأحلامهم الصغيرة. واليوم، وبعد سقوط النظام البائد، عاد قسم منهم ليجد قريةً شبه خالية من الحياة؛ بيوتًا مهدمة، وشبكات مدمرة، وطرقات مهترئة، ومقومات أساسية مفقودة.
المحامي عمر المحمود، أحد أبناء القرية العائدين، استذكر لحظة النزوح عام 2013 قائلًا لمنصة “سوريا 24“: “نزحت تحت القصف المكثف، وتنقلت بين الباب ومنبج وأعزاز والراعي”. وعلى الرغم من أن بيته مدمّر بالكامل وغير صالح للسكن، إلا أنه عاد قبل شهرين فقط، مؤمنًا كما يقول: “عدت لأني مؤمن أن الحق عاد لأصحابه”.
تلك العودة، وإن كانت مدفوعة بالشوق والانتماء، تصطدم بواقع قاسٍ، وفق ما يؤكده محمد سيدو الشيخ، رئيس بلدية تل بلاط، التي تتبع لها قرية الإخاء إداريًا، إذ يشير إلى أن نسبة العائدين لا تتجاوز 25 – 30% من سكان القرية، مرجعًا ذلك إلى غياب الخدمات الأساسية وصعوبة إعادة الإعمار.
قرية الثورة التي دفعت الثمن
في ريف حلب الشرقي، وعلى بعد نحو 15 كيلومترًا فقط من مركز المدينة، تقع قرية الإخاء، أو “الزعلانة” كما يسميها أهلها. كانت هذه القرية الصغيرة شريانًا اقتصاديًا وزراعيًا قبل الحرب، بفضل موقعها الحيوي على طريق حلب – الرقة، إلا أن هذا الموقع الاستراتيجي نفسه جعلها تدفع ثمنًا باهظًا منذ بداية الثورة السورية.
منذ الأيام الأولى للثورة عام 2011، انحاز سكان الإخاء إلى صفوف الحراك الشعبي، ورفعوا صوتهم بالمطالبة بالتغيير. وردّ النظام على هذا الانحياز بعنف ممنهج، إذ تعرّضت القرية لقصف متكرر بالصواريخ من جبل الحص والواحة، كما استُهدفت بالبراميل المتفجرة التي لم تبقِ شيئًا على حاله، فدُمرت البيوت، وقُطعت الأشجار، وسُوِّيت عرائش العنب بالأرض.
في عام 2013، بلغ القصف ذروته، واضطرّ معظم سكان القرية إلى النزوح باتجاه ريف حلب الشمالي، فيما لجأ قسم آخر إلى تركيا. كان النزوح قاسيًا ومفاجئًا، تحت القصف وتحت وقع الخوف، دون أن يعرفوا إن كانوا سيعودون يومًا إلى قريتهم.
وعقب سيطرة النظام على القرية عام 2016، استمرت الممارسات الانتقامية، حيث واصل عناصر الحاجز العسكري المنتشر فيها اقتحام منازل المدنيين المهجّرين وتفتيشها، ولم يسلم حتى المسجد من التعدّي والتفتيش، في مشهد يعكس استمرار سياسة العقاب الجماعي ضد المنطقة وسكانها.
كما عمدت قواته إلى قص أعمدة الكهرباء، وسحب الحديد من أسقف المنازل، ونهب أثاث البيوت ومحتوياتها في عملية “تعفيش” شاملة. ومنذ ذلك الحين، تعيش القرية في ظلام كامل، ويعتمد السكان العائدون على الطاقة الشمسية كمصدر بديل للكهرباء، لا يغني عن بنية تحتية مدمرة بالكامل.
إدارة محلية تواجه ما يفوق طاقتها
بعد تحرير القرية، تشكّلت لجان محلية من أبناء المهجّرين، وسرعان ما تطورت إلى مجلس محلي تولّى رئاسته محمد سيدو الشيخ. إلا أن التحديات التي تواجهها الإدارة المحلية ما تزال أكبر من الإمكانيات بكثير، كما يوضح الشيخ، مشيرًا إلى نقص في كل المجالات، من الخدمات الأساسية إلى غياب الدعم وتعويض المتضررين.
حياة يومية بلا مقومات
يتحدث الشيخ عن الواقع اليومي في القرية بوصفه “شديد القسوة”، مؤكدًا أن الكهرباء ما تزال مقطوعة بالكامل منذ أن نُهبت الشبكة من قبل قوات النظام والشبيحة من القرى المجاورة (تل علم، كبارة، بلاط، المالكية). أما مياه الشرب، فهي متوفرة جزئيًا لكنها غير كافية لتلبية الاحتياجات اليومية للسكان، إضافة إلى غياب تمديدات الصرف الصحي عن منازل القرية.
ويضيف أن الوضع الصحي لا يقل صعوبة، إذ تفتقر البلدة لنقطة طبية دائمة، وتعتمد على عيادة متنقلة تزورها يومًا واحدًا في الأسبوع. أما التعليم، فالحال أكثر بؤسًا؛ إذ توجد مدرستان فقط، الأولى مدمّرة بالكامل، والثانية متهالكة ومنهوبة الأثاث، ولا تصلح لاستقبال الأطفال.