جهود لإعادة الإعمار بدير الزور.. حي الرصافة نموذجاً

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

باشر مجلس مدينة دير الزور، بالتعاون مع منظمة “ADRA” الدولية للإغاثة والتنمية، تسليم 120 شقة سكنية مؤهلة لأصحابها في أربعة أحياء متضررة، أبرزها حي الرصافة.

يأتي ذلك في إطار جهود ممنهجة لاستعادة الكرامة السكنية وتشجيع العائدين على العودة الطوعية إلى منازلهم بعد سنوات من النزوح والدمار.

وحسب مجلس محافظة دير الزور، لم تكن هذه العملية مجرد توزيع لمفاتيح، بل كانت نتاج عملية تقييم إنساني دقيق استمرت عدة أشهر، وضمت لجاناً مشتركة بين البلدية والمنظمة، عملت على تحديد الأكثر ضعفاً بين الأسر التي عانت من الحرب والتهجير.

وقد رُكّز الاستهداف على الأحياء الأربعة: الرصافة، العمال، العرفي، والشيخ ياسين، حيث وُزعت الشقق بشكل متوازن بنحو 30 شقة لكل حي، لتعيد الوجه الحضاري لتلك الأحياء التي كانت يوماً مراكز سكنية نابضة بالحياة.

وأوضح جاسم الكاظم، من المكتب الإعلامي لمجلس مدينة دير الزور، في حديث لمنصة سوريا 24، أن الأولوية القصوى كانت للمقيمين الأصليين والمهجرين الذين فقدوا منازلهم، لكن الشرط الأساسي كان أن يكون صاحب المنزل هو نفسه من يعود إليه، وأن يكون البناء لا يزال قادراً على الدعم الإنشائي، أي أنه غير مهدَّم أو معرّض للانهيار.

وأضيف إلى ذلك شرط إثبات الملكية، وهو ما يضمن عدم التلاعب أو الاستيلاء على العقارات، ويمنح العائدين ثقة بأن الدولة لا تتجاهل حقهم في أرضهم وبيتهم، حسب تعبيره.

ولم تقتصر أعمال التأهيل على الإصلاحات البسيطة، بل شملت تدخلاً فنياً متكاملاً يبدأ من الهيكل الإنشائي وينتهي بالتفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق في الحياة اليومية: فقد أُعيد ترميم الجدران والسقوف، وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي، وتركيب أبواب وشبابيك جديدة، وعزل كامل للمنافذ لمنع التسريبات، وتزويد كل شقة بدورتي مياه وكهرباء آمنة، مع تركيب مصابيح LED وبياضات صحية مقاومة للرطوبة.

وتم تجهيز كل شقة بغرفتين على الأقل، أو غرفة واحدة وصالون، بما يتوافق مع الحد الأدنى من معايير السكن الكريم، حتى لو لم يكن فخماً، فهو على الأقل آمن وآدمي.

وأكد الكاظم أن جميع الشقق خضعت لتقييم فني مستقل من قبل لجان محايدة تتكون من مهندسين مدنيين ومراقبي سلامة منظمات دولية، بعيداً عن أي تحيز أو تدخل سياسي، وذلك لضمان ألا يُسلم أي مفتاح إلا بعد أن يثبت الخبير أن البيت آمن للطفل، وللمسن، وللمرأة التي تعيل أسرتها وحدها.

وفي هذا السياق، تُعد هذه الشفافية نادرة في سياق عمليات إعادة الإعمار في سوريا، حيث تُستخدم غالباً كأداة سياسية لا كحق إنساني.

ومن بين المعايير الإنسانية التي حددت المستفيدين، وجود أكثر من أسرة في منزل واحد، أو كون المرأة هي المعيل الوحيد بعد فقدان الزوج، أو وجود إعاقات أو أمراض مزمنة لدى أحد أفراد الأسرة، مما جعل المشروع ليس مجرد إعادة بناء مبانٍ، بل إعادة بناء حياة.

لكن هذه الخطوة ليست نهاية الطريق، بل بداية مرحلة أوسع. فبعد تسليم الشقق الـ120، هناك 40 شقة أخرى تم تقييمها فنياً في الأحياء نفسها، وستُسلم خلال الأسابيع المقبلة، بينما تواصل منظمة ADRA عمليات التقييم والاستهداف في مناطق أخرى، كما أكد الكاظم.

وأشار إلى أن حي الحميدية شمله المشروع أيضاً، فيما تتقاسم باقي الأحياء دورها مع منظمات أخرى مثل “RESSCATA” و”GOBA” و”MDIER”، بحيث لا تبقى منطقة دون نصيب من التأهيل.

ويسعى مجلس المدينة حالياً إلى إنشاء “مركز موحد لإعادة الإعمار” يجمع كافة الجهود تحت مظلة واحدة، لتجنب التكرار، وضمان الشفافية، ووضع خريطة زمنية واضحة للمواطنين حول موعد تأهيل منازلهم، بدلاً من انتظار غير محدد يزيد من اليأس.

وقد أصبح حي الرصافة اليوم أكثر من مجرد اسم على خريطة المدينة؛ فهو رمز لصمود الإنسان، ودليل على أن السلام لا يُبنى فقط بالتفاوض أو بالسلاح، بل بالأساسيات البسيطة: باب مغلق يحمي من البرد، نافذة تسمح بدخول الضوء، ماء نظيف يطفئ العطش، وكهرباء تضيء درب العودة.

لكن التحديات لا تزال قائمة: نقص المواد الإنشائية، وضعف شبكة الكهرباء العامة، وغياب فرص العمل، كلها عوامل قد تعيق استقرار العائدين حتى داخل البيوت المؤهلة.

ولهذا، تنظر الجهات المعنية إلى تأهيل المهندسين المحليين وتدريب الشباب على صيانة المنازل كخطوة استراتيجية، بهدف تحويل مشروع الإعمار من مبادرة خارجية إلى حركة وطنية يقودها أهل المدينة لأنفسهم.

مقالات ذات صلة