أعلنت هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، في التاسع من أيلول/سبتمبر الجاري، عن إعداد مشروع قانون جديد خاص بصناديق الاستثمار، ودعت المختصين والمهتمين إلى تقديم آرائهم وملاحظاتهم خلال عشرين يوماً عبر البريد الإلكتروني.
وبحسب الهيئة، فإن المشروع يهدف إلى تعزيز دور الصناديق كأداة مالية مبتكرة وآمنة تتيح للأفراد – بمن فيهم صغار المستثمرين – استثمار مدخراتهم في محافظ متنوعة تُدار باحترافية، بما يسهم في تنمية الثروات وحمايتها من التضخم.
كما يسعى إلى زيادة سيولة السوق المالية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوسيع قاعدة المشاركين من خلال ضخ رؤوس أموال مؤسسية منظمة.
وقد عرّفت الهيئة الصندوق الاستثماري بأنه وعاء استثماري ذو شخصية اعتبارية يجمع أموال المستثمرين مقابل إصدار وحدات استثمارية، ويُسجل ويُؤسس لديها وفقاً لأحكام القانون والتعليمات الناظمة، مؤكدة التزامها بمبدأ التشاركية في صياغة التشريعات.
فرصة لتعبئة المدخرات
أكدت الوزيرة السابقة والخبيرة الاقتصادية لمياء عاصي أن الصناديق الاستثمارية يمكن أن تشكل أداة حديثة وآمنة لتعبئة المدخرات وحمايتها من التضخم، شرط أن تُدار باحترافية وأن تخضع لرقابة مستقلة.
وأوضحت في حديثها لمنصة سوريا 24 أن نجاح التجربة يتطلب بالدرجة الأولى إشراك صغار المستثمرين عبر تخفيض الحد الأدنى للاشتراك وتحديد سقف للرسوم، إلى جانب تبسيط إجراءات الترخيص والإدارة.
كما تشدد على ضرورة وجود هيئة رقابية مستقلة تضمن الشفافية وتحمي أموال المستثمرين من المخاطر غير المعلنة، مؤكدة أن المخاطر المتوقعة – مثل تقلبات السوق أو أسعار الفائدة أو ضعف السيولة – يمكن التعامل معها من خلال التنويع والتقييم الدوري، فضلاً عن إطلاق منصات إلكترونية توفر للمستثمرين المعلومات الكاملة وآليات الشكاوى والمتابعة.
في المقابل، يقدّم الخبير الاقتصادي يونس الكريم قراءة أكثر حذراً للمشروع، إذ يرى أن الأهداف المعلنة، رغم أهميتها، تصطدم بواقع اقتصادي وتشريعي معقد.
فالقوانين في سوريا – بحسب الكريم – ما تزال عاجزة عن حماية المستثمرين، والقرارات غالباً ارتجالية ومتناقضة.
كما أن العقوبات الاقتصادية المستمرة، والتي يُرجَّح أن تتصاعد، تشكّل حاجزاً أساسياً أمام جذب الاستثمارات الأجنبية.
وإلى جانب ذلك، يشير الكريم خلال حديثه لمنصة سوريا 24 إلى ضعف البنية القانونية والرقابية وتضارب الصلاحيات بين المؤسسات، فضلاً عن استمرار هيمنة شبكات النفوذ على المشاريع الكبرى، ما يجعل أي استثمار مرتبطاً بالولاءات أكثر من القوانين.
ويعتبر أن الهدف غير المعلن قد يكون جمع السيولة المحلية المبعثرة لدى الأفراد لإعادة توظيفها في مواجهة الأزمة المالية، مع محاولة تقديم صورة للخارج بأن الحكومة تسير في مسار اقتصاد السوق، على غرار بعض التجارب الإقليمية، رغم غياب الأدوات البنيوية الكفيلة بإنجاح ذلك.
وسط هذه الآراء المتباينة، وعلى الرغم من اختلاف المنطلقات بين الخبراء، إلا أن كلاً من عاصي والكريم يتفقان على أن الصناديق الاستثمارية، إذا ما أُنشئت على أسس سليمة، يمكن أن تتحول إلى أداة رئيسية لتعبئة المدخرات وتحريك عجلة الاقتصاد، شرط تنويع الاستثمارات وتأسيس جهاز رقابي مستقل يحمي المستثمرين من تضارب المصالح.
وبحسب ما ورد في الإعلان الرسمي وما أثاره الخبراء من ملاحظات، فإن مشروع القانون يعكس محاولة لصياغة إطار تشريعي يتماشى مع الممارسات العالمية ويظهر جدية في تنظيم السوق المالية السورية.
إلا أن فعاليته ستظل رهناً بقدرة الدولة على معالجة التحديات الجوهرية المتمثلة في غياب القوانين الواضحة، ضعف المؤسسات، استمرار العقوبات، وسيطرة شبكات النفوذ. وبينما يفتح المشروع آفاقاً نظرية واسعة، تبقى إمكانية تحوله إلى أداة حقيقية للتنمية مرهونة بتهيئة بيئة مؤسسية مستقرة وشفافة تستعيد ثقة المستثمرين محلياً ودولياً.