يواصل المجلس السوري الأمريكي تحركاته على أكثر من جبهة لتعزيز الدور السياسي والدبلوماسي للجالية السورية في الولايات المتحدة، حيث يضع في صدارة أولوياته العمل على رفع العقوبات التي يرى أنها تضر بالشعب السوري، إلى جانب دعم سيادة البلاد ووحدة أراضيها.
وفي هذا السياق، أجرى وفد من المجلس زيارة نوعية إلى دمشق، التقى خلالها الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، في لقاء تجاوز الطابع البروتوكولي وحمل رسائل سياسية واضحة بشأن دور الجاليات السورية في التأثير في مراكز القرار الأمريكية، وفتح آفاق جديدة للانفتاح السياسي والاقتصادي لسوريا بعد سنوات طويلة من العزلة.
وخلال اللقاء، شدد الرئيس الشرع على الدور المحوري للمجلس في التأثير في الخطاب السياسي الأمريكي، مشيرًا إلى أن “قيادة الجاليات السورية في هذه المرحلة الدقيقة أمر بالغ الأهمية لإيصال صوت السوريين ومطالبهم العادلة”.
من جانبه، أكد الوزير الشيباني أن سوريا ماضية في انفتاحها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي على العالم بعد عقود من العزلة، وأنها ترى في الجاليات السورية في الخارج جسرًا طبيعيًا لهذا الانفتاح.
دور دبلوماسي للجالية
وفد المجلس السوري الأمريكي أوضح أنه طرح خلال لقائه القيادة السورية أولويات الجالية في الولايات المتحدة، وعلى رأسها متابعة الجهود لإلغاء العقوبات التي تضر بالشعب السوري، والعمل على إيصال صوت الجالية إلى غرف السياسة في واشنطن، فضلًا عن دعم استقرار سوريا ووحدة ترابها.
ويبرز المجلس كقوة دبلوماسية ناعمة تمثل السوريين الأمريكيين، وتحول حضورهم داخل المؤسسات الأمريكية إلى أداة مؤثرة في القرارات التي تمس الداخل السوري.
جهود تشريعية في واشنطن
بالتوازي مع اللقاءات في دمشق، أعلن المجلس السوري الأمريكي أنه طرح في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع مادة لإلغاء قانونَي عقوبات مفروضين على سوريا، بالتعاون مع أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
ورغم أن الحكومة الأمريكية كانت قد جمدت مفاعيل هذين القانونين عبر الرخصة العامة رقم 25 الصادرة عن وزارة الخزانة في أيار الماضي، وقرار وزارة التجارة الشهر الماضي، إلا أن المجلس يسعى إلى الإلغاء الكامل لا مجرد التجميد.
محمد علاء غانم، المستشار السياسي ومدير العلاقات الحكومية للمجلس السوري الأمريكي في واشنطن، أكد أن “الإلغاء سيكون في صالح السوريين، ولن يؤدي بأي شكل إلى رفع العقوبات عن بشار الأسد وأعوانه”، حسب بيان صادر عن المجلس.
ويأتي هذا الحراك بعد أيام من رفض مجلس النواب الأمريكي تعديلًا اقترحه المجلس على مشروع موازنة وزارة الدفاع يتضمن إلغاء قانون قيصر.
لقاء تاريخي ورسالة سياسية
وقال الدكتور أنس العمر، عضو التحالف الأمريكي للسلام والازدهار من ولاية تكساس، في حديث لمنصة سوريا 24: “تشرّف وفد من المجلس السوري الأمريكي ضم رجالًا ونساء من ولايات أمريكية شتى بلقاء الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد حسن الشيباني في دمشق، إذ جرى خلال اللقاء استعراض جهود المجلس لاستكمال رفع العقوبات عن الشعب السوري، وإيصال أصوات السوريين، ودعم سوريا ووحدة أراضيها”.
وأضاف العمر أن الرئيس شدد خلال حديثه على أهمية دور المجلس والجالية في إيصال مطالب سوريا المحقة إلى أصحاب القرار في واشنطن، فيما أكد الوزير الشيباني أن سوريا ماضية في انفتاحها على دول العالم بعد سنوات العزلة.
وختم قائلًا: “نتوجه بالشكر للرئيس الشرع والوزير الشيباني على وقتهما وحفاوة استقبالهما، ونتطلع لاستضافتهما لاحقًا هذا الشهر في مدينة نيويورك”.
مسار الضغط لإلغاء قانون قيصر
من جهته، أوضح الدكتور زكي اللبابيدي، رئيس مكتب سوريا في المجلس السوري الأمريكي من لوس أنجلوس، في حديث لمنصة سوريا 24، أن المجلس كثف نشاطه في الكونغرس خلال الشهرين الماضيين من أجل إلغاء قانون “قيصر”.
وقال: “القانون ما يزال معلقًا مؤقتًا بقرار من الرئيس الأمريكي، لكن هذا التجميد لا يتجاوز ستة أشهر ويجدد تلقائيًا، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار أمام الاستثمارات في سوريا، التي تحتاج إلى التزامات طويلة الأمد. لذلك نسعى لإلغاء القانون نهائيًا، وليس مجرد تجميده”.
وأشار اللبابيدي إلى أن المجلس نظم في الثالث من أيلول/سبتمبر “يومًا وطنيًا” شارك فيه آلاف السوريين الأمريكيين للضغط على أعضاء الكونغرس.
وقد أثمر ذلك عن إدراج بند يتعلق بإلغاء قانون قيصر ضمن مشروع ميزانية الدفاع الأمريكية. واعتبر أن إدماج القضية في ميزانية الدفاع يمنحها قوة سياسية مضاعفة، لأن المشروع يحظى بدعم واسع ويقر سنويًا.
دعم متزايد في الكونغرس
وشرح اللبابيدي أن المجلس يعمل حاليًا على اعتماد الاستراتيجية ذاتها في مجلس النواب، بانتظار لجنة مشتركة بين المجلسين للتوافق على النص النهائي.
وأضاف: “نحن واثقون أن الدعم يتزايد، خاصة بعد الزيارة التاريخية لقائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) للرئيس السوري، والتي عكست إدراكًا استراتيجيًا بأن استقرار سوريا مصلحة أمريكية عليا”.
وتابع قائلًا إن هذه الزيارة ربطت قضية رفع العقوبات بمسألة الأمن القومي الأمريكي، وهو ما أجبر بعض النواب على إعادة النظر في موقفهم.
وأضاف: “اليوم بدأ ينتشر بين المسؤولين في البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس، من الحزبين، أن رفع العقوبات شرط أساسي لإعادة إعمار سوريا وفرض سيادتها على كامل أراضيها”.
مواجهة دعوات معاكسة
اللبابيدي عبر عن أسفه لظهور منظمات سورية أمريكية جديدة تطالب باستمرار العقوبات، مثل “المنظمة العلوية الأمريكية”، معتبرًا أن هذه المواقف “غير أخلاقية وغير منطقية”.
وقال: “أين كانوا عندما كان النظام السابق يقتل المدنيين ويعتقل ويعذب؟ لماذا يصمتون حينها ويتحركون اليوم ضد حكومة وطنية تسعى لحماية المواطن؟”
وأكد أن هذه الجهات لن تنجح لأنها تفتقر إلى الخبرة والوزن السياسي، في حين أن المجلس السوري الأمريكي يعمل منذ نحو عقدين، وحقق إنجازات متواصلة بدعم الجالية وتمسكه بالمبادئ.
سوريا في مرحلة حرجة
وفي سياق متصل، شدد اللبابيدي على أن لقاء وفد المجلس مع الرئيس الشرع كان خطوة رمزية وتاريخية في توقيت حساس تمر به سوريا.
وقال: “نرى أن سوريا اليوم في خطر وجودي حقيقي. الأحداث في السويداء، والانتهاكات في الساحل، والصراعات في الشمال تشير إلى احتمال عودة الحرب الأهلية. لذلك كان من واجبنا أن نأتي إلى دمشق ونعلن دعمنا الكامل لسيادة الدولة ووحدة الشعب”.
وأضاف أن غالبية السوريين في الداخل والمهجر يدعمون الحكومة الحالية ومسار الإصلاح، رافضًا أي تعاون مع مجموعات خارجية تسعى لتدمير البلاد.
وأكد: “بهذه الزيارة أردنا أن نقول للعالم إن الشعب السوري الحقيقي يقف مع وحدة الوطن ومع الإعمار، وأن المستقبل يجب أن يُبنى على الاستقرار لا على العقوبات”.
ووسط كل ذلك، يُظهر نشاط المجلس السوري الأمريكي، سواء عبر حراكه في الكونغرس أو لقاءاته المباشرة مع القيادة السورية، أن ملف العقوبات بات في صلب النقاشات السياسية بين دمشق وواشنطن.
وبينما يسعى المجلس إلى إلغاء قوانين العقوبات بشكل نهائي، تؤكد القيادة السورية أهمية دور الجالية في إعادة ربط سوريا بالعالم، وعلى أن مرحلة ما بعد العزلة تفتح الباب أمام دبلوماسية جديدة قد تغير ملامح المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.