مع بداية الخريف، تستعد بلدات القلمون الغربي، وعلى رأسها رنكوس، لموسم قطاف التفاح الذي يعد أحد أهم مصادر الدخل الأساسية للأهالي، حيث يمتد الموسم عادة من منتصف أيلول/سبتمبر حتى أواخر تشرين الأول/أكتوبر. غير أن هذا الموسم بات بالنسبة إلى كثير من المزارعين مجرد ذكرى مؤلمة، بعدما حُرموا من أراضيهم وأشجارهم المثمرة التي شكلت لعقود عماد الاقتصاد المحلي للمنطقة.
ففي رنكوس والبلدات المجاورة التي اشتهرت تاريخيًا بزراعة التفاح والكرز والمشمش والإجاص، يقدّر الأهالي أن حجم الخسارة في الإنتاج الزراعي بلغ نحو 80 في المئة، نتيجة الحرب وما رافقها من انتهاكات واسعة، كان أبرزها عمليات قطع الأشجار المثمرة من قبل قوات النظام وبيعها كحطب للتدفئة.
أبو محمد خالد (58 عامًا)، أحد مزارعي رنكوس، يروي بأسى أنه فقد موسمه بالكامل هذا العام بعد أن جُرّد من أرضه وأشجاره: “كنت أملك أكثر من 700 شجرة من التفاح والكرز والإجاص والمشمش والتوت، على مساحة تصل إلى 25 دونمًا. اليوم لم يبقَ منها سوى جذوع يابسة بعدما قطعها عناصر النظام وباعوها حطبًا”، يقول أبو محمد.
قبل سنوات الحرب، كان إنتاج مزرعته السنوي يؤمّن له دخلاً يقارب 3500 دولار، إلا أنه اليوم خسر مصدر رزقه كما خسره معظم أبناء البلدة. ويضيف أن المشهد في بساتين رنكوس أصبح أقرب إلى الخراب، بعدما غابت الخضرة وحلّت مكانها أراضٍ قاحلة لا حياة فيها.
عمار، وهو مزارع خمسيني آخر من أبناء رنكوس، كان قد نزح إلى الشمال السوري خلال سنوات الحرب، لكنه عاد مؤخرًا إلى أرضه ليجدها على غير ما تركها: أشجار متيبسة نخرها الجفاف والحشرات والديدان، وأغصان مكسورة لا تثمر سوى الخيبة. يقول عمار إن عودته لم تجلب له سوى صدمة كبيرة، إذ كان يحلم أن يستعيد رزقه من جديد، لكنه وجد أن ما تبقى من بستانه لا يصلح إلا أن يكون شاهدًا على سنوات الخراب.
حتى الأشجار التي نجت من التقطيع لم تسلم من الإهمال والجفاف والآفات الحشرية التي التهمت ثمارها، فضلًا عن تكسر أغصانها بفعل التيبس ونقص العناية، وهو ما جعل فرص إنعاش الزراعة في المنطقة محدودة للغاية.
ولم يكن تفاح القلمون مجرد محصول محلي، بل كان علامة فارقة على مستوى سوريا لعقود طويلة. فقد عُرفت بلدات مثل رنكوس ويبرود وعسال الورد بجودة تفاحها الذي نافس إنتاج الجولان والساحل السوري، وكانت بساتينها تُصدّر منتجاتها إلى دمشق وحتى إلى أسواق خارجية قبل عام 2011. هذا التاريخ الزراعي العريق جعل من التفاح رمزًا لهوية المنطقة وسببًا في استقرار آلاف العائلات التي عاشت من مردوده.
أما اليوم، فالإنتاج الذي يصل إلى الأسواق يعد ضئيلًا مقارنة بما كان عليه في السابق. ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من التفاح في أسواق القلمون ما بين 8 و15 ألف ليرة سورية، وهو سعر مرتفع قياسًا بدخل السكان، لكنه لا يغطي أبدًا حجم الخسائر التي مني بها المزارعون.
ويختتم محمد حديثه قائلًا: “التفاح لم يكن مجرد محصول زراعي بالنسبة إلينا، بل كان شريان حياة، وها نحن اليوم نرى رزقنا وتاريخنا يتحول إلى جذوع يابسة وذكريات حزينة”.