شهدت محافظة ريف دمشق حدثاً استثنائياً وُصف بالمفصلي والتاريخي، مع انطلاق حملة “ريفنا بيستاهل” التي نجحت في جمع أكثر من 76 مليون دولار أمريكي خلال خمس ساعات فقط من انطلاقها، في مشهد أعاد الأمل لأهالي المنطقة وفتح الباب واسعاً أمام مرحلة جديدة من التعافي وإعادة الإعمار.
تفاعل واسع ورسائل تضامن
الحملة التي جرى التحضير لها على مدى شهر ونصف تحولت منذ لحظة انطلاقها إلى منصة جامعة جمعت مختلف شرائح المجتمع، من تجار ورجال أعمال وشخصيات اعتبارية، إلى أبناء المحافظة والمغتربين في الخارج. وما ميّزها أكثر كان المشاركة الشعبية والرسمية الواسعة، إذ حضر فعالياتها وزير التربية والتعليم ومحافظ ريف دمشق ووزير الأوقاف، ليؤكدوا جميعاً أن الهدف يتجاوز جمع المال إلى تكريس روح التضامن وإبراز صورة ريف دمشق كأحد عناوين التعافي الوطني.
طارق الحسين، منسق حملة “ريفنا بيستاهل”، وصف التجربة في حديثه لسوريا 24 بأنها “تحدٍ كبير”، مضيفاً: “واجهنا صعوبات كثيرة في التحضير، لكن بروح الفريق والعمل المشترك تجاوزناها. النتائج فاقت كل التوقعات، ونشكر كل من ساهم، حتى ولو بدولار واحد، لأن هذا الوطن لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه”.
من جانبه، أكد العميد أحمد الدالاتي، مسؤول الأمن الداخلي بريف دمشق، أن القيمة الأهم ليست فقط المبلغ الذي جُمع، بل “روح التعاون والتكاتف التي لمسناها بين الناس”، موضحاً أن للحملة خطة واضحة تشمل التعليم والصحة والخدمات الأساسية.
أما الداعية الكويتي الشيخ عادل العازمي، الذي حضر فعاليات الحملة، فقد وصف اليوم بأنه “تاريخي ومفصلي”، قائلاً لـ سوريا24:
“ريف دمشق الذي ذاق ويلات النظام، يبرهن اليوم على تعافيه. التبرعات التي تجاوزت 71 مليون دولار من مختلف المحافظات تؤكد أن الشعب السوري متكاتف ومقبل على الخير”.
أهداف طموحة
لم تتوقف الحملة عند هذا الرقم الكبير، إذ أوضح القائمون عليها أنها ستستمر لشهر كامل بهدف جمع المزيد من التبرعات لدعم المشاريع الحيوية في ريف دمشق. وتشمل الأهداف المعلنة ترميم 700 مدرسة وإعادة بناء 107 مدارس بشكل كامل، إلى جانب إنشاء 300 مدرسة جديدة، إضافة إلى مشاريع في القطاع الصحي والبنى التحتية.
دلالات الحملة ورسائلها
حجم التفاعل الواسع مع “ريفنا بيستاهل” يعكس إرادة السوريين في الداخل والخارج لدعم إعادة الإعمار، ويظهر وحدة الصف الوطني في وجه التحديات. كما أن التنظيم الجماهيري والإقبال الشعبي أرسلا رسالة واضحة بأن ريف دمشق يسير بخطى واثقة نحو مرحلة جديدة، حيث تتحول معركة ما بعد الحرب إلى معركة بناء لا تقل أهمية عن معركة التحرير.
شهد ريف دمشق خلال السنوات الماضية دماراً واسعاً في البنية التحتية نتيجة الحرب، إذ تضررت مئات المدارس والمستشفيات والطرق، وتراجع مستوى الخدمات الأساسية بشكل حاد. كثير من العائلات وجدت نفسها مضطرة لمغادرة قراها وبلداتها بسبب غياب الخدمات وضعف مقومات الحياة، فيما بقيت أخرى تعيش تحت وطأة واقع صعب يفتقر لأبسط مقومات الاستقرار.
اليوم، تأتي حملة “ريفنا بيستاهل” لتشكل رافعة أساسية في مسار إعادة الإعمار، ومحاولة لتغيير هذا الواقع عبر مشاريع عملية في التعليم والصحة والخدمات. نجاحها المبكر في جمع عشرات الملايين من الدولارات يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، عنوانها الأمل والعمل المشترك، ورسالتها أن ريف دمشق قادر على النهوض مجدداً بدعم أبنائه وأصدقائه.