اتفاق أمني سوري وشيك مع إسرائيل: هدنة أم تطبيع؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

تصدرت تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع، حول المفاوضات بين دمشق وتل أبيب بوساطة أميركية، واجهة الأحداث والتطورات السورية المتلاحقة.

وكان اللافت للانتباه ما تحدث به الشرع لصحيفة “ملليت” التركية، بأن المفاوضات مع إسرائيل وصلت إلى مراحلها النهائية، مرجحًا إمكانية توقيع اتفاق في الأيام القليلة المقبلة، على غرار اتفاق فك الاشتباك لعام 1974.

ورغم أهمية هذه الخطوة المرتقبة، شدد الشرع على أن أي اتفاق لن يعني تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بل سيكون محصورًا في ترتيبات أمنية محدودة.

اتفاق بلا تطبيع

الرئيس السوري أوضح أن الاتفاق المنتظر “لن يرقى إلى مستوى التطبيع السياسي أو الاعتراف الدبلوماسي”، بل سيكون أقرب إلى إعادة إنتاج صيغة مشابهة لاتفاق 1974، الذي أرسى ترتيبات أمنية في الجولان بعد حرب أكتوبر. وأكد قائلًا: “سوريا تعرف كيف تحارب، لكننا لم نعد نريد الحرب، وما يفرض نفسه اليوم هو التفاهم الأمني، لا التسوية الشاملة”.

مفارقة المشهد: هدنة لا سلام

وتكشف تصريحات الشرع عن مفارقة واضحة في المشهد السوري: فمن جهة، هناك إدراك بأن استمرار حالة “اللاسلم واللاحرب” بات يرهق البلاد سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، ومن جهة أخرى، يبقى الإرث التاريخي للعلاقة مع إسرائيل مثقلًا بسوابق خرق التعهدات والانقلاب على الاتفاقات.

هذه المفارقة تجعل أي اتفاق مرتقب أقرب إلى “هدنة مؤقتة” أو ترتيبات أمنية محدودة على الجبهة الجنوبية، دون أن تلامس جوهر الصراع أو تفتح باب تسوية سياسية شاملة.

ومن المرجح أن دمشق ستتعامل مع الاتفاق، إن وُقّع، بوصفه أداة لإدارة التوتر لا لإنهائه، مع الإبقاء على خطوط الضغط الأخرى مفتوحة عبر لبنان أو غزة أو حتى الجبهات الداخلية.

مشروع حليف جديد

وفي هذا الصدد، قال محمد زكوان كوكة، الباحث في مركز عمران للدراسات، في حديث لمنصة سوريا 24: “يهدف الرئيس السوري أحمد الشرع من خلال زيارته إلى الولايات المتحدة إلى استثمار اللحظة الجيوسياسية الراهنة، حيث تبدي واشنطن رغبة متزايدة في إعادة تفعيل حضورها في الشرق الأوسط بعد مرحلة من التراجع والانكفاء”.

وأضاف: “تراهن دمشق على أن بإمكانها أن تتحول إلى (مشروع حليف جديد) في المنطقة، عبر بوابة التعاون الأمني والتهدئة مع إسرائيل، ضمن رؤية طويلة الأمد لإعادة تموضعها الإقليمي”.

وتابع: “وفي هذا السياق، يظهر العمل على اتفاق (إطار مبادئ) مع إسرائيل، لا يُنهي النزاع، لكنه يضع أسسًا لتفاهمات لاحقة، كنقطة محورية في هذه الاستراتيجية، إذ تشير المعلومات إلى أن هذا الاتفاق قد يستند إلى خطوط مشابهة لاتفاق فصل القوات لعام 1974، مع تحديثات تتعلق بترتيبات الجنوب السوري وتأكيد سيادة دمشق مقابل تعهدات أمنية متبادلة”.

وختم بالقول: “ترى القيادة السورية أن توقيع اتفاق بهذا الطابع قد يفتح الباب أمام رفع تدريجي أو إنهاء كامل للعقوبات الأميركية، ويفسح المجال للتركيز على الملفات الداخلية، وخصوصًا مسار إعادة الإعمار. فالاستقرار الداخلي، في ذهنية صانع القرار السوري، لا يتحقق دون كبح التدخلات الخارجية، وعلى رأسها التدخل الإسرائيلي المتكرر، سواء عبر الغارات الجوية أو عبر شبكات النفوذ غير المباشرة”.

الشرع وإعادة التموضع الإقليمي

تصريحات الشرع توحي أيضًا بمحاولة سورية لإعادة التموضع إقليميًا، من خلال فتح نافذة تفاهم مع إسرائيل برعاية أميركية، بما ينعكس على العلاقات مع واشنطن والعواصم العربية. غير أن الإصرار على نفي التطبيع يعكس إدراك دمشق لحساسية الموقف شعبيًا وإقليميًا، خصوصًا في ظل استمرار القضية الفلسطينية في صدارة المشهد.

اتفاق أمني محدود أم فشل للاتفاق؟

من جهته، قال الباحث والأكاديمي عرابي عرابي، في حديث لمنصة سوريا 24: “لقراءة المشهد، ننظر إلى الآتي: الهدف السوري من الاتفاق الأمني يشمل وقف الغارات الإسرائيلية وسحب القوات التي توغلت في جنوب سوريا بعد سقوط النظام السابق”.

وتابع: “إسرائيل من جهتها تُظهر استعدادًا للانسحاب من بعض المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا، لكن مع تحفظات خاصة حول مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ، وعدم التنازل عن هضبة الجولان، أما الولايات المتحدة، فإنها تلعب دور الوسيط. كما يُفهم أن هناك ضغوطًا من واشنطن لتحقيق تقدم قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

ورأى أن “المشهد القادم يتوقف على قدرة الأطراف على تجاوز أزمة الثقة وتقديم ضمانات عملية، خصوصًا حول الجولان والضمانات الأمنية، وبناءً عليه يمكن تقدير المواقف الآتية:

* اتفاق أمني محدود: بما يتضمن وقف الغارات والتوغلات، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بعد سقوط النظام، وتفعيل المراقبة الدولية. لكن ذلك لا يعني سلامًا شاملًا.
* فشل الاتفاق: بسبب تعنت إسرائيلي أو رفض الداخل السوري، مما يعني استمرار التوتر وربما تصاعد العمليات العسكرية”.

خلاصة المشهد

إجمالًا، يمكن القول إن ما يطرحه الرئيس الشرع يشي بمرحلة انتقالية دقيقة: هدنة مشروطة وليست سلامًا شاملًا، وتفاهم أمني اضطراري لا يرقى إلى تطبيع، مع بقاء حالة الشك العميق تجاه نوايا إسرائيل.

وبين الحاجة الماسة إلى الاستقرار والقلق من التجارب السابقة، تبدو دمشق مقبلة على اختبار جديد في علاقتها مع تل أبيب، اختبار قد يمنحها استراحة مؤقتة، لكنه لن يبدد هواجس الماضي أو يفتح الباب أمام ثقة متبادلة.

مقالات ذات صلة