القلمون يدخل عالم “لحم الملوك”.. تجربة فريدة في تربية النعام بسوريا

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في مدينة النبك بالقلمون، وبينما اعتاد الناس على تربية الأبقار والأغنام والدواجن، اختار المهندس محمد غالب الحميدي (أبو رياض) أن يسلك طريقًا مختلفًا؛ ففكرته لم تأتِ من فراغ، بل بدأت حين شاهد النعام أسود الرقبة المستجلب من أفريقيا يتأقلم مع برد ألمانيا وأوكرانيا، ما دفعه إلى التساؤل: لماذا لا يُربّى النعام في سوريا؟

بعد عام كامل من البحث وجمع المعلومات ودراسة الجدوى الاقتصادية، وجد أن تربية النعام قد تكون أحد أنجح المشاريع في قطاع الإنتاج الحيواني، إذ يتجاوز هامش ربحه أربعة أضعاف أي مشروع مماثل، لما يتمتع به هذا الطائر من مناعة طبيعية عالية وغزارة في الإنتاج.

مشروع بمتطلبات بسيطة وأرباح واعدة

يؤكد الحميدي أن متطلبات النعام محدودة مقارنة بعوائده الكبيرة، إذ لا يحتاج العمل اليومي إلى أكثر من ساعة موزعة صباحًا ومساءً، كما أن استهلاك العلف قابل للتخفيض بنسبة 60% عند توافر الأعلاف الخضراء.
تتكون “الأسرة” المنتجة من ذكر وأنثيين، ويبلغ ثمنها نحو 6000 دولار (غير متوفرة حاليًا ضمن المزرعة)، فيما يمكن أن تنتج بين 40 و80 صوصًا سنويًا، يصل سعر الواحد منها إلى 150 دولارًا في حال توافره.

أما من حيث الإنتاج اللحمي، فيعطي الطائر نسب تصافٍ عالية تصل إلى 35% من اللحم الأحمر الصافي (الهبرة) من دون عظم، ويبلغ وزنه عند الذبح في عمر 10–18 شهرًا بين 85 و145 كيلوغرامًا.

بداية التجربة

انطلقت المزرعة في نيسان 2017 ببيض محدود وعدد صغير من الأفراخ. لكن البداية لم تكن سهلة؛ ففي 2019 بدأت الطيور بوضع البيض غير المخصب، ثم جاء عام 2020 ليكون نقطة التحول مع أول إنتاج فعلي بعد بلوغ الذكور.
يقول الحميدي لسوريا 24: إن التجربة واجهت صعوبات عديدة، من أبرزها الحاجة لعزل الطيور على شكل أسر (ذكر لكل أنثيين)، والحفاظ على نظافة الملاعب، وضبط الخلطات العلفية الخاصة بالإنتاج، إضافة إلى توفير ظروف دقيقة للتفريخ والتدفئة. ومع المثابرة والخبرة الميدانية التي امتدت لأكثر من 8 سنوات، تحولت العقبات إلى خبرة عملية أسهمت في نجاح المشروع.

منتجات متعددة.. من اللحم إلى الريش

النعام ليس مجرد مصدر للحوم، بل هو “ثروة إنتاجية شاملة”، وفق تعبير الحميدي:
اللحم: يعرف عالميًا بـ”لحم الملوك”، يتميز بلونه الأحمر، وقيمته الغذائية العالية، واحتوائه على بروتينات وأوميغا-3 وحديد بنسبة مرتفعة، مقابل انخفاض الدهون والكوليسترول.

الريش: مطلوب في صناعات الموضة والديكور وأعمال التنظيف الدقيقة للأجهزة الإلكترونية.

الجلد: من أفخر أنواع الجلود عالميًا، يستخدم في صناعة الحقائب والأحذية الفاخرة، رغم تحديات مرتبطة بغياب خبرات الدباغة والصباغة في سوريا.

البيض: بيضة واحدة تكفي لإطعام 12 شخصًا، وتدخل في صناعة الحلويات والمعجنات، كما تستغل قشرتها في أعمال النحت والزخرفة.

الدهون: تستخدم في الصناعات الطبية والتجميلية لعلاج المفاصل وتجديد البشرة.

منتجات أخرى: كاستخدام البيض الفارغ في الزخرفة، أو حتى إدخال النعام في سباقات استعراضية ببعض الدول.

تجربة سورية تتوسع

لم تبق التجربة محصورة في القلمون، بل انتشرت مزارع صغيرة في ريف دمشق، درعا، السويداء، حمص، حماة، طرطوس، واللاذقية، إضافة إلى الرقة ودير الزور. ومع الإقبال المتزايد على تربية النعام، يرى الحميدي أن السنوات العشر المقبلة قد تشهد منافسة حقيقية بين لحم النعام وبقية اللحوم الحمراء، مع إمكانية ظهور مسالخ ومحال متخصصة لبيعه.

بين الحلم والواقع

يختم الحميدي حديثه بالقول: “تربية النعام في سوريا بدأت كفكرة غريبة، ثم تحولت إلى مشروع استثماري واقعي. ورغم التحديات، أثبتت التجربة أن هذا الطائر قادر على أن يكون أحد أعمدة الإنتاج الحيواني في البلاد، لما يقدمه من تنوع في المنتجات وجدوى اقتصادية عالية”.

مقالات ذات صلة