في إحدى مدارس مدينة عندان شمالي حلب، يتكدّس أكثر من سبعين طالبًا في الصف الواحد، بعضهم يجلس على الأرض، وآخرون يتناوبون على المقاعد القليلة المتوفرة.
هذا المشهد لا يُعدّ حالة استثنائية، بل يعكس أزمة مزمنة في قطاع التعليم بعد سنوات من الحرب والدمار، وسط غياب الترميم، وانعدام البنية التحتية، ونقص الكوادر التعليمية.
وتتجاوز المشكلة مدينة عندان لتشمل مناطق أخرى في ريف حلب، مثل حريتان، التي لا تعمل فيها سوى ثلاث مدارس فقط، رغم تزايد أعداد السكان العائدين من التهجير.
الأهالي والمعلمون يواجهون الأزمة اليومية
عمر ليلى، مدير مدرسة في عندان، اشتكى من الظروف المتردّية داخل الصفوف، وأوضح أن الاكتظاظ بلغ مستويات غير مقبولة تربويًا.
يقول لمنصة “سوريا 24“: “الواقع مأساوي، فمن غير المعقول أن يجلس الطالب على الأرض في بداية العام الدراسي. الصف يضم نحو 70 طالبًا، والمقاعد لا تكفي، كما أن البنية التحتية متدهورة جدًا”.
وأشار ليلى إلى أنه، إلى جانب عدد من زملائه، قدّم شكاوى متكرّرة بشأن نقص التجهيزات، مطالبًا بتأمين مقاعد إضافية، وتوفير الكتب، وزيادة عدد الشعب الصفية.
كما بيّن أن معظم المعلمين في عندان يعملون دون تكليف رسمي من مديرية التربية، وهو ما يهدّد استقرار العملية التعليمية، ويؤثر سلبًا على سير الدوام وانتظام الطلاب.
وفي مدينة حريتان القريبة، أوضح زياد نعناع، مسؤول ملف التعليم، أن الوضع لا يختلف كثيرًا عن حال عندان، بل وصفه بأنه “أكثر تعقيدًا”.
يقول لمنصة “سوريا 24”: “بدأنا تسجيل الطلاب منذ نحو شهرين، وقد وصل العدد إلى 1700 طالب وطالبة، ومن المتوقع أن يزداد مع عودة الأهالي. لكن لا تعمل سوى ثلاث مدارس فقط، وهو ما تسبب باكتظاظ خانق في القاعات الدراسية، إذ بلغ عدد الطلاب في بعضها أكثر من 70 طالبًا”.
وأبدى نعناع سخطه من بُعد المدارس عن الأحياء السكنية، وهو ما يجبر الأطفال على السير لمسافات طويلة يوميًا، مما يشكّل عبئًا نفسيًا وجسديًا عليهم، خصوصًا في فصل الشتاء.
من جهته، أبدى نورس مصري، أحد العائدين من تركيا إلى حريتان، استياءه الشديد من الوضع الراهن، وعبّر عن خيبته من الواقع التعليمي بعد العودة.
ويقول لمنصة “سوريا 24”: “كنا نظن أن العودة ستفتح لنا أبواب الأمل، لكن الواقع محبط للغاية. المدارس غير مجهّزة، المقاعد غير كافية، الكتب غير متوفّرة، وعدد المعلمين لا يغطي الحاجة. تقدّمنا بشكاوى، لكن لم نتلقَّ أي رد إيجابي حتى الآن”.
أما معاوية دعبول، وهو من العائدين إلى حريتان، فلفت إلى معاناة إضافية تخص الأطفال العائدين من دول اللجوء، لا سيما من تركيا.
وأوضح لمنصة “سوريا 24” أن “الأطفال الذين أمضوا سنوات خارج سوريا يعانون من ضعف كبير في اللغة العربية، خصوصًا في الصفوف الأولى. لذلك طالبنا، كأهالٍ، بضرورة تخصيص شعب خاصة لهؤلاء الطلاب، أو إطلاق برامج دعم لغوي مكثّفة تساعدهم على اللحاق بأقرانهم”.
مديرية التربية: ندرك حجم التحديات ونستجيب وفق الإمكانات
في رده على الشكاوى، أكد محمد عبد الرحمن، معاون مدير التربية والتعليم في محافظة حلب، أن المديرية تدرك تمامًا حجم التحديات التي تواجه الواقع التعليمي، خصوصًا في المناطق التي شهدت عودة كثيفة للمهجّرين، حيث تتزايد أعداد الطلاب يومًا بعد يوم.
وقال لمنصة “سوريا 24”: “الضغط الكبير على المدارس دفعنا إلى اعتماد خطة طارئة تشمل افتتاح شعب صفية إضافية، وإعادة توزيع الكوادر التعليمية بما يتناسب مع الكثافة في كل منطقة”.
وأوضح عبد الرحمن أن هناك أكثر من 150 مدرسة قيد الترميم حاليًا، بالتعاون مع منظمات داعمة، لافتًا إلى أن الجهود مستمرة لإعادة تأهيل المرافق التعليمية في الريف والمدينة على حد سواء.
ولفت عبد الرحمن في ختام حديثه إلى أن الإمكانات المتاحة ما تزال محدودة، إلا أن المديرية تواصل العمل على تأمين بيئة تعليمية مناسبة من خلال متابعة أولويات الصيانة، وتوزيع الموارد، وتفعيل الشراكات مع الجهات المانحة، بما يسهم في التخفيف من الاكتظاظ وتحسين جودة التعليم تدريجيًا.
خلفية: الضغط المتزايد على التعليم في حلب
يشهد القطاع التعليمي في محافظة حلب ضغطًا متصاعدًا على البنية التحتية والخدمات الأساسية، خاصة في المناطق التي سجلت عودة واسعة للسكان خلال العامين الماضيين، بعد سنوات من التهجير والنزوح القسري.
ووفقًا لتقارير رسمية صادرة عن مديرية التربية في محافظة حلب، فإن عدد الطلاب المسجّلين في المدارس الحكومية تجاوز 590 ألف طالب وطالبة، وسط توقّعات بارتفاع هذا الرقم مع استمرار حركة العودة إلى المدينة وريفها.
وقد انعكس هذا النمو السكاني على شكل اكتظاظ حاد داخل الصفوف الدراسية، ونقص في الكوادر والمستلزمات التعليمية.
في المقابل، تشير بيانات نشرتها رئاسة مجلس الوزراء في زمن نظام الأسد إلى أنه تمّ إعادة تأهيل وتشغيل نحو 1620 مدرسة في أنحاء متفرّقة من المحافظة.