العنف في المدارس بين الرفض والتبرير… والتربية تتدخل

Facebook
WhatsApp
Telegram

منيرة بالوش - سوريا 24

انتشرت خلال الأيام الماضية مقاطع مصوّرة تُظهر مديرة إحدى المدارس الحكومية في ريف دمشق وهي تقوم بضرب عدد من الطالبات بالعصا، في مشهد أثار موجة غضب واسعة بين الأهالي والطلاب والمعلمين، لما يحمله من عنفٍ لا يمتّ بصلة إلى العملية التربوية والتعليمية.

وسرعان ما تحوّل المقطع إلى قضية رأي عام، حيث انقسمت الآراء بين من استنكر بشدة استخدام العنف الجسدي ضد الطلاب، وبين من برّره باعتباره وسيلة “لضبط السلوك والتربية” في ظل تراجع القيم والانضباط داخل المدارس.

أصوات من الميدان التربوي

المعلمة نوار محمد من ريف دمشق عبّرت عن رفضها لأسلوب الضرب، لكنها في الوقت نفسه لم تؤيد قرار وزارة التربية بفصل المديرة من عملها، قائلة: “أنا ضد الضرب تماماً، لكن في المقابل لا أرى أن فصل المديرة كان حلاً منصفاً، كان يمكن الاكتفاء بإنذارها فقط. فالضغط الكبير وسلوكيات بعض الطلاب غير المنضبطة قد تدفع بعض المعلمين إلى ردود فعل خاطئة”.

من جهة أخرى، يرى أحمد خطاب، وهو والد لثلاثة طلاب من محافظة حماة، أن الضرب أحياناً ضرورة تربوية:”جيلنا تربّى على الشدة والانضباط، ولم نتضرر من ذلك. بالعكس، الضرب المعتدل قد يكون وسيلة فعّالة لتربية بعض الطلاب الذين لا ينفع معهم الكلام أو التوجيه فقط”.

لكنّ هذا الرأي لا يلقى إجماعاً، إذ عبّر خالد الإدْلِبي، أحد أولياء الأمور من دمشق، عن رفضه القاطع لأي شكل من أشكال العنف في المدارس، مؤكداً أن “الضرب يخلق لدى الطفل شعوراً بالذلّ والانكسار، وقد يتحول مع الوقت إلى شخصية منطوية أو عدوانية. هذه الممارسات لا تُنشئ جيلاً منضبطاً بل جيلاً خائفاً ومشوَّهاً نفسيا”.

المعلم محمد حميدي من ريف حلب الغربي، قال إنّ القضية لم تعد تُختصر في معلم أخطأ باستخدام أسلوب غير تربوي، بل أصبحت تُظهر صورة سلبية عن جميع المعلمين، موضحاً:”القضية أُخذت من زاوية واحدة، فظهرت المعلمة وكأنها المعتدية فقط، بينما لم يُذكر أن المعلم اليوم فقد هيبته داخل الصف، ولم يعد يحظى بالاحترام الذي يستحقه. أصبح المعلم الحلقة الأضعف في المدرسة، والطلاب باتوا يتعاملون معه بجرأة زائدة، والأهالي بدورهم أساؤوا فهم مفهوم الضرب فصاروا يربطونه بكل تصرف أو توجيه حازم من المعلم”.

وأضاف حميدي: “نحن جميعاً متفقون أن الضرب خطأ ولا يمكن تبريره، لكن في المقابل يجب ألا يُجرّد المعلم من مكانته. الحل ليس في إضعاف دوره، بل في إيجاد بدائل تربوية مثل الاستعانة بالمرشدين النفسيين، وتنظيم حملات توعية وملصقات وبروشورات تعزز ثقافة الاحترام المتبادل داخل المدرسة، فحماية الطفل يجب أن ترافقها أيضاً حماية لهيبة المعلّم”.

تحذيرات نفسية من تداعيات الضرب

بدوره، حذّر المرشد النفسي ، فراس محمد، من مخاطر الضرب على المدى البعيد، مشيراً إلى أن الطفل الذي يتعرّض للعنف يتعلم بدوره ممارسة العنف على غيره:

“الضرب لا يُهذّب السلوك، بل يزرع الخوف والعدوانية. الطفل الذي يُضرب في المدرسة سيتعامل مع زملائه بالطريقة نفسها، وقد يتحول إلى شخص عدواني في المستقبل”.

وأضاف أن الحل يكمن في “اعتماد أساليب تربوية إيجابية، قائمة على الحوار والتوجيه وتعزيز السلوك الجيد بدلاً من العقاب البدني”.

موقف رسمي وإجراءات قانونية

من جانبه، أوضح مدير تربية ريف دمشق، فادي نزهت، في تصريح خاص، أن المديرية تابعت حادثة العنف فور انتشارها، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المديرة المعنية، مؤكداً أن “القانون واضح في منع أي شكل من أشكال العنف الجسدي أو اللفظي ضد الطلاب، وهناك أساليب تربوية وسلوكية يمكن للمعلم أن يستخدمها لمعالجة السلوكيات غير المنضبطة دون اللجوء إلى الضرب”.

وشدّد نزهت على أن وزارة التربية تتابع بشكل حازم هذه الحالات لمنع تكرارها، مع التركيز على “تدريب الكوادر التعليمية على أساليب ضبط الصفوف دون عنف”.

وبين مؤيدٍ يراها وسيلة “تربية وانضباط”، ومعارضٍ يعتبرها “عنفاً مرفوضاً بكل أشكاله”، تبقى قضية الضرب في المدارس مؤشراً خطيراً على الفجوة بين المفهومين التربوي والاجتماعي للتأديب، وعلى الحاجة الملحّة لإعادة بناء الثقة بين الأسرة والمدرسة، ضمن بيئة تعليمية آمنة تحفظ كرامة الطالب وتؤسس لتربيةٍ قائمة على الوعي لا الخوف.

مقالات ذات صلة