يتجه سكان مدينة الرقة بشكل متزايد نحو استخدام ما يعرف محليًا بالجص الديري في أعمال تشطيب المنازل كخيار محلي واقتصادي بديل عن المواد الإسمنتية.
و”الجص الديري” نسبةً إلى محافظة دير الزور، وهو مادة ترابية طبيعية تُستخرج من تربة كلسية خاصة في ريف المحافظة الغربي، ثم تُحرق وتُطحن لتتحول إلى مادة ناعمة بيضاء تُستخدم في أعمال الطلاء والكساء الداخلي للمنازل.
ويتميز الجص الديري بخفة وزنه وسهولة تطبيقه وصلابته العالية، مما يجعله منافسًا حقيقيًا للمواد الإسمنتية في العديد من الاستخدامات.
هذا التوجه يعكس الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه السكان مع ارتفاع أسعار مواد البناء، وخاصة الأسمنت. ويُعد الجص الديري خيارًا أكثر توفيرًا وجودة، خصوصًا أن أغلب الحرفيين العاملين في تطبيقه هم من أبناء دير الزور الذين يمتلكون خبرة طويلة في صناعته واستخدامه.
يقول أبو المؤيد الديري، أحد الحرفيين في هذا المجال، في تصريح خاص لـسوريا 24: “نستخدم خبرتنا العريقة في صناعة الجص الديري لضمان تطبيقه بأعلى جودة، فهو يتفوق على الأسمنت من حيث المرونة والتكلفة في كثير من الاستخدامات.”
من الناحية الاقتصادية، يُعتبر الجص الديري خيارًا مجديًا بوضوح، إذ تبلغ تكلفة أكساء غرفة واحدة بالمواد الإسمنتية نحو 700 دولار تشمل المواد واليد العاملة، بينما لا تتجاوز تكلفة استخدام الجص الديري للمساحة نفسها 150 دولارًا فقط. هذا الفارق الكبير جعل منه الخيار المفضل لدى كثير من الأسر في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وقالت أم صباح، وهي من سكان الرقة، لـسوريا 24: “الجص الديري وفر علي الكثير، خصوصًا بعد ارتفاع أسعار الأسمنت، وجودته ممتازة، وأنا سعيدة جدًا بالنتيجة.”
من جهته أوضح خالد العيسى، من سكان قرية اليرموك، في حديثه لـسوريا 24: “الجص الديري مادة تقليدية لكنها أثبتت نجاحها في مناطقنا، استخدمته منذ أكثر من سبع سنوات ولم يتغير شكله أو يتصدع، فجودته تضاهي جودة الأسمنت.”
كما أشار نور المحمد في تصريحه لـسوريا 24: “لاحظت الفرق الكبير في التكلفة والجودة، والجص يبدو أكثر ملاءمة لبيئتنا المحلية.”
وأكد أبو المؤيد الديري مجددًا لـسوريا 24: “يجب أن يكون العمال محترفين ليتم تطبيق الجص بشكل صحيح، وهذا ما يميزنا نحن أبناء دير الزور الذين نتمتع بخبرة طويلة في هذا المجال.”
بعيدًا عن ميزاته الاقتصادية، يتمتع الجص الديري بخصائص فنية وبيئية مهمة، فهو مقاوم للرطوبة ويساعد على تنظيم درجة حرارة المنازل، كما يشكل طبقة عازلة تسهم في تحسين الراحة الحرارية داخل البيوت.
ومع تزايد الطلب عليه، نشطت ورش العمل المحلية المتخصصة بصناعته وتطبيقه، ما وفر فرص عمل جديدة للشباب من أبناء المنطقة وأسهم في إحياء حرفة تراثية طالما شكّلت جزءًا من هوية دير الزور الحرفية.
في الختام، يمثل الجص الديري نموذجًا ناجحًا للتكيف مع الواقع الاقتصادي المحلي، مستفيدًا من الموارد الطبيعية المتوفرة والخبرات المهنية المتوارثة، ليصبح خيارًا اقتصاديًا وبيئيًا مستدامًا يعكس روح الاعتماد على الذات في الرقة ودير الزور.
