بعد أكثر من عقد على الحرب التي أضعفت البنية التحتية في معظم مناطق ريف دمشق، لا يزال القطاع التعليمي يواجه تحديات كبيرة تتعلق بنقص التجهيزات والخدمات الأساسية، خاصة في المدن التي شهدت دمارًا واسعًا ونزوحًا جماعيًا مثل معضمية الشام.
فعلى الرغم من عودة آلاف العائلات إلى منازلها خلال العامين الأخيرين، فإن المدارس لم تتمكن بعد من استعادة جاهزيتها، إذ تعاني من نقص حاد في المقاعد والتدفئة والوسائل التعليمية، في وقت تتزايد فيه أعداد التلاميذ العائدين من مناطق النزوح.
في هذا السياق، تسلط مبادرات أهلية وجهود فردية الضوء على محاولات محلية لسد الفجوة التعليمية، وسط تأخر واضح في الاستجابة الرسمية. ويعكس هذا الحراك الشعبي رغبة المجتمعات المحلية في إنقاذ ما تبقى من العملية التعليمية، وتوفير الحد الأدنى من بيئة دراسية تحفظ حق الأطفال في التعلم والكرامة.
أوضاع صعبة تعيشها مدارس مدينة معضمية الشام، لا سيما من حيث الخدمات الأساسية وغياب التجهيزات، ففي عدد من المدارس يجلس تلاميذ المرحلة الابتدائية على الأرض لغياب المقاعد والطاولات، داخل صفوف تفتقر إلى التدفئة والنوافذ الصالحة، وسط ظروف مناخية قاسية تزداد صعوبة مع اقتراب فصل الشتاء.
في ظل هذا الوضع، برزت جهود فردية ومجتمعية محدودة تهدف إلى دعم التعليم بشكل عاجل، حيث بادر عدد من الأهالي والناشطين المحليين إلى تجهيز بعض الصفوف بمقاعد مستعملة، وجمع تبرعات لتأمين مدافئ وقرطاسية للأطفال، في محاولة لسد النقص إلى حين استجابة الجهات الرسمية.
وتشير شهادات الأهالي إلى أن كثيرًا من هؤلاء الأطفال عادوا حديثًا من مخيمات النزوح في الشمال السوري إلى مناطقهم في ريف دمشق، أملًا بالاستقرار والعودة إلى التعليم، إلا أنهم وجدوا مدارس بلا مقاعد ولا خدمات أساسية، في مفارقة مؤلمة بين واقع المخيمات ومدارسهم الحالية.
وفي تصريح خاص، قال الدكتور مهند الخطيب، مدير فريق “إرادة” التطوعي، إن بعد التواصل مع مديرية التربية بريف دمشق لطلب تزويد المدارس بالمقاعد والمستلزمات، كان الرد الرسمي أن “العمل جار على إنتاج دفعة جديدة من المقاعد”، دون تحديد موعد واضح للتنفيذ.
ويؤكد الخطيب أن “ما نحتاجه اليوم ليس وعودًا مستقبلية، بل استجابة عاجلة، فالأطفال لا يمكنهم الانتظار”، داعيًا الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإدارية تجاه حق الطلبة في التعليم ضمن بيئة آمنة وصحية.
وفي مدرسة معضمية الشام الرابعة (حلقة أولى)، يصف الدكتور مهند الخطيب الوضع بالقول إن الروضة التابعة للمدرسة كانت تفتقر إلى المقاعد والخزائن والطاولات، وتم تأمين جزء منها بجهود تطوعية محلية، بينما لا تزال الخزائن مفقودة. أما باقي الصفوف، فما زالت تعاني من نقص في المقاعد، إلى جانب الحاجة الماسة إلى أعمال دهان وترميم وبلاط وصيانة للمرافق والمساحات الخارجية.
ويشير الخطيب إلى أن فريق إرادة التطوعي بدأ فعليًا تنفيذ أعمال الترميم بتمويل محلي من أبناء المجتمع، قائلًا: “نقوم بهذه الأعمال التطوعية، في محاولة لتحسين بيئة المدرسة بما يتوفر من إمكانيات”.
وفي تطور لافت أمس، تجاوبت مديرية تربية ريف دمشق مع شكاوى مشابهة وردت من مدرسة في بلدة النشابية، بعد انتشار صور تُظهر طلابًا يجلسون على الأرض داخل الصفوف بسبب نقص الأثاث، حيث زار مدير التربية المدرسة بشكل مباشر وتعهّد بتجهيزها بالكامل خلال أيام لتأمين المقاعد والاحتياجات الأساسية.
هذه الاستجابة – رغم محدوديتها – تعطي أملًا بأن نقل الواقع كما هو يمكن أن يدفع نحو تحرك فعلي، فيما يأمل الأهالي في معضمية الشام أن يشمل هذا التحرك مدارسهم قريبًا قبل أن يزداد الوضع سوءًا مع دخول الشتاء.
وبين بطء الإجراءات الحكومية وتزايد المبادرات الفردية، يبقى التعليم في ريف دمشق معلقًا بين الحاجة والإمكان، فيما يواصل الأهالي والمتطوعون جهودهم البسيطة لتأمين الحد الأدنى من مقومات الدراسة، إلى أن تتحول الوعود إلى خطوات عملية تضمن للأطفال حقهم الطبيعي في التعلم بكرامة.