«كتل حلب» تُثير الجدل في الشارع الحلبي

Facebook
WhatsApp
Telegram

رامي السيد - سوريا 24

أثار قرار محافظة حلب القاضي بتقسيم المدينة إلى خمس كتل إدارية نقاشًا واسعًا في الأوساط المحلية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بين من اعتبره خطوة ضرورية نحو تنظيم العمل الخدمي وتقريب الإدارة من المواطنين، ومن رأى فيه إجراءً متسرعًا يثير تساؤلات حول مشروعيته القانونية وجدواه العملية.

وفيما أكدت المحافظة أن الهدف من التقسيم هو تحسين الاستجابة الميدانية وتوزيع الموارد بعدالة، أبدت شرائح أخرى استياءها وشكّكت في قدرة هذا المشروع على إحداث تغيير ملموس على أرض الواقع، محذّرةً من أنه قد يُعيد إنتاج البيروقراطية بصيغة جديدة.
هدف المشروع
مدير دائرة الإعلام في محافظة حلب، مأمون الخطيب، قال لموقع سوريا 24 إنّ الهدف من القرار تحقيق عدالة أكبر في توزيع الخدمات والموارد، مشيرًا إلى أن الخطوة لا تقتصر على تنظيم العمل الإداري، بل تتيح للمحافظة فهمًا أدق لاحتياجات كل منطقة وتحديد الأولويات بشكل واقعي.

وأضاف أن الخطط والموازنات المالية ستُربط بكل كتلة وفقًا لاحتياجاتها الفعلية، بعيدًا عن التوزيع المتساوي الشكلي، مؤكدًا أن الهدف هو الإنصاف لا المساواة الصورية.
وشدّد الخطيب على أنّ “المحافظة لن توزع الموارد بطريقة جامدة، بل وفق رؤية تضمن عدم تهميش أي كتلة ومنع تركّز الخدمات في منطقة دون أخرى”، وأنّ هذه الآلية ستجعل القرار الإداري أقرب إلى الواقع الميداني وتُسرّع الاستجابة لاحتياجات المواطنين.
التفاصيل الإدارية والتنظيمية
من جهته، شدد محافظ حلب، المهندس عزّام الغريب، على أن القرار يهدف إلى تعزيز التواصل المباشر مع الأهالي ورفع مستوى المتابعة الميدانية، خاصة في ظل الكثافة السكانية الكبيرة التي تتميز بها المدينة.

وأوضح أن إدارة كل كتلة ستُبنى على ثلاثة مستويات إدارية تشمل:
مسؤول عن الأمن الداخلي،

مسؤول عن الإدارة المحلية والخدمات،

وممثل عن المحافظة يتولى التنسيق بين المؤسسات الحكومية في الكتلة.

وأضاف المحافظ: أنّ “مسؤول الكتلة سيكون بمثابة نائبٍ للمحافظ، ينسّق بين الجهات الخدمية والأمنية، ويتواصل بشكل مباشر مع لجان الأحياء والمخاتير”.
كما أعلن الغريب تخصيص مكاتب شكاوى ومتابعة في كل كتلة لتسهيل تواصل المواطنين مع ممثليهم الإداريين، مشيرًا إلى أن عمل مسؤولي الكتل سيخضع لتقييم دوري لضمان الكفاءة والشفافية.
وختم بالقول: “نريد أن يشعر المواطن بثمرة هذا التنظيم، وأن نكون أقرب إلى الناس وأكثر سرعة في معالجة قضاياهم”.
وسمّى محافظ حلب المهندس عزّام الغريب مسؤولي الكتل الإدارية الخمس التي شملها مشروع “كتل حلب” على النحو الآتي:
محمد ياسر مولوي – مسؤول الكتلة الأولى.

حمود علي الشيخ كياري – مسؤول الكتلة الثانية.

أحمد عبد الناصر ترمانيني – مسؤول الكتلة الثالثة.

محمد بكري منافيخي – مسؤول الكتلة الرابعة (الأحياء الجنوبية).

هيثم الهاشمي – مسؤول الكتلة الخامسة (الضواحي والمناطق الجديدة).

ردود الفعل: بين التفاؤل والحذر
تباينت ردود الفعل في الشارع الحلبي في مواقع التواصل الاجتماعي حول القرار والخبرة المهنية التي يمتلكها المسؤولين عن هذه الكتل، بين من عبّر عن ارتياحه للقرار باعتباره خطوة نحو إدارة أكثر فاعلية، ومن أبدى تحفظه معتبرًا أن التقسيم الجديد قد يكون تغييرًا شكليًا بلا أثر ملموس أو تجاوزًا للأطر القانونية.
الناشطة ريم المصري دافعت عن المشروع، معتبرةً أن التركيز على خلفيات المعيّنين أو اختصاصاتهم “لا يخدم المصلحة العامة”، وقالت: “نعرف بعض مسؤولي الكتل معرفة شخصية، وهم من خيرة أبناء حلب”، داعية إلى الحكم على أدائهم في الميدان .
في المقابل، رأى هوفيك شهيريان أوهانس أن نجاح المشروع يتوقف على تفعيل دور مخاتير الأحياء واللجان المحلية، مضيفًا: أنّ “العمل الخدمي الحقيقي يحتاج إلى تماس مباشر مع الشارع”، وأنّ “على المسؤول أن يذهب إلى الناس لا أن ينتظرهم في المكاتب”.

انتقادات قانونية
في المقابل، اعتبر الكاتب أحمد مستو أن القرار يتعارض مع قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، موضحًا أن صلاحية إحداث أو تعديل الوحدات الإدارية تعود إلى السلطة المركزية لا إلى المحافظات.
وقال مستو: إنّ”القانون واضح في أن إحداث المدن أو تعديل حدودها يتم بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الإدارة المحلية”، معتبراً أنّ ما قامت به المحافظة يمثل تجاوزًا للصلاحيات ويُضعف مبدأ اللامركزية الذي نص عليه القانون.
أما الباحث محمد السكّري، فركّز على الجانب الاجتماعي والتنفيذي، معتبرًا أن “التقسيم الجديد لم يراعِ الخصوصية السكانية والثقافية لكل منطقة”، وشدد على أن غياب الكفاءات المتخصصة في الإدارة العامة والحوكمة قد ينعكس سلبًا على التنفيذ.
بدوره، تساءل محمود إبراهيم عن جدوى القرار الجديد، بالقول: “كانت حلب مقسمة سابقًا إلى ثمانية قطاعات، ألم يكن من الأفضل تطوير هذا النظام بدل استحداث تقسيم جديد بخمس كتل؟”.

بين الطموح والجدل
وبين مؤيد يرى في الخطوة نواةً لتجربة لامركزية حقيقية، ومتحفظ يخشى من ارتباك إداري وتضارب صلاحيات، تبقى «كتل حلب» مشروعًا مثيرًا للجدل في واحدة من أكثر المدن السورية تعقيدًا من حيث التركيبة السكانية والعمرانية.
ويجمع معظم المراقبين على أن نجاح التجربة سيتوقف على قدرة المسؤولين الجدد على التواصل الميداني وتحويل القرارات الإدارية إلى تحسين ملموس في الخدمات اليومية، بعيدًا عن البيروقراطية والمصالح الضيقة.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل ستكون كتل حلب بداية لإدارة محلية أكثر عدلاً وفاعلية؟
أم أنها ستنضم إلى سلسلة المشاريع التي بقيت حبرًا على ورق؟
الإجابة، كما يخمن الشارع الحلبي، لن تتضح إلا حين يلمس المواطن الفرق على أرض الواقع.

مقالات ذات صلة