حيّ طريق الباب في حلب.. خدمات خجولة وإصرار على البناء

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24 - رامي السيد

في شرق مدينة حلب، حيث ما زالت آثار الحرب ماثلة في كل زاوية، يبرز حيّ طريق الباب بوصفه أحد أكثر الأحياء تمسّكًا بالحياة بعد سنوات من الدمار والنزوح.

ورغم الخراب الذي طال منازله وبناه التحتية، يسعى أبناؤه العائدون إلى ترميم ما يمكن ترميمه، وإعادة نبض الحياة إلى شوارعه القديمة، في ظلّ ضعف واضح في الخدمات وغياب شبه تام لمشاريع الإعمار.

بعد اثنتي عشرة سنة من الغياب، عاد عبدالسلام حمود إلى منزله في حيّ طريق الباب، حاملاً حنينًا لم يخفت رغم قسوة السنوات.

يقول وقد غلبت على صوته نبرة شوق ووجع: “غادرنا بسبب القصف والخوف على الأطفال. عشنا في تركيا، لكننا لم نشعر بالراحة، فالوطن له طعم آخر. عدنا بعد التحرير فوجدنا الشوارع مدمّرة والمدارس مهدّمة، لكن العودة كانت ضرورة… هنا أصلنا، وهنا الناس الذين يشبهوننا”.

يقف عبدالسلام اليوم وسط حيّه الذي تغيّرت ملامحه، لكنه ما زال يشعر بأن كل حجر فيه يعرفه. يتابع بابتسامة تخفي عناء البدايات: “كنت أملك مطعمًا قبل الحرب، وعدت لأبدأ من الصفر. نأمل أن تهتم الجهات المعنية بالشوارع وتنظيم الأسواق وترميم المدارس.. نريد أن يعود الحي كما كان: نظيفًا، فيه كهرباء ومياه، وحياة كريمة”.

وعلى مقربة من مطعمه القديم، يواصل سامر بنشي رحلته الخاصة في إعادة بناء منزله الذي تهدّم بفعل الحرب. يروي قصته ببساطة تشبه تراب المكان: “عدت رغم كل شيء. البيت تهدّم، لكنني بدأت بإصلاحه بيدي. هنا الذكريات، وهنا الطفولة، وهنا الحياة”.

يؤمن سامر أن ما تهدّم يمكن أن يُبنى من جديد، ما دام القلب ما زال متشبّثًا بالأرض، وأن العودة إلى الجذور هي البداية الحقيقية لأي استقرار.

وفي الجهة الأخرى من الحي، يتحدث عماد هلال، أحد أقدم سكان طريق الباب، عن الصعوبات اليومية التي يعانيها السكان، من ضعف الخدمات العامة إلى انقطاع الكهرباء وقلة المدارس.

يقول لـ”سوريا 24″: “الوضع صعب للغاية، لكننا متفائلون بأن القادم سيكون أفضل. أبرز احتياجاتنا هي النظافة، والمدارس، والكهرباء. لدينا مدرسة واحدة فقط، ويضمّ الصف الواحد أكثر من ستين طالبًا”، مشيرًا إلى أن شبكة الصرف الصحي تعاني من أعطال تحتاج إلى صيانة، فيما تحسّنت الكهرباء قليلًا، وأصبحت تأتي بحدود ست ساعات يوميًا، لكن بعض الشوارع ما زالت بلا تمديدات”.

وأوضح هلال أن الخدمات الأساسية ما زالت غير كافية لتلبية احتياجات السكان، مشيرًا إلى أن الخبز متوفر بفضل وجود أكثر من أربعة أفران داخل الحي، إلا أن الازدحام أمامها ما زال يشكّل معاناة يومية.

وبيّن أن الوضع الأمني تحسّن مقارنة بالسنوات الماضية، لكن البنى التحتية والخدمات ما تزال بحاجة إلى دعم حقيقي ومستمر، مضيفًا: “تحسين واقع الكهرباء والنظافة والمدارس هو المدخل الأساسي لعودة مزيد من العائلات إلى الحي واستقراره من جديد”.

أما مختار الحيّ درغام حمادي، فيختصر المشهد العام بعبارات تعبّر عن التحدي والإصرار، يقول لـ”سوريا 24“: “تحسّن الوضع قليلًا، لكن الحيّ ما زال بحاجة إلى الكثير. المنازل مدمّرة، والمدارس خارجة عن الخدمة، والمراكز الصحية غائبة، فيما تنتشر القمامة بكثافة في الشوارع”.

ويشير إلى أن البلدية تعمل ضمن إمكانياتها المحدودة، ولا تقدّم أكثر من عشرة بالمئة من احتياجات الحي، مضيفًا أن الكهرباء تحسّنت قليلًا بعد رفع ساعات التشغيل بمعدل ساعتين يوميًا، ومن المتوقع أن تصل إلى أحياء جديدة خلال الشهرين المقبلين.

وأوضح أن حملة “لعيونك يا حلب” ساهمت في ترحيل جزء من الأنقاض، إلا أن الحي ما زال بحاجة إلى جهود مضاعفة لاستكمال إزالة الركام، مشيرًا إلى أن تراكم الدمار وإغلاق بعض الطرق يعيقان عودة الكثير من العائلات.

وقدّر حمادي عدد العائلات العائدة إلى الحيّ بعد سقوط النظام بنحو 450 عائلة، معظمهم عادوا من تركيا ومن ريف حلب الغربي، موضحًا أن انخفاض إيجارات المنازل في الأحياء الشرقية يشكّل حافزًا للعودة، مقارنة بالارتفاع الكبير في الإيجارات ضمن الأحياء الغربية من المدينة.

ورغم قسوة المشهد، تتحدّث وجوه العائدين عن حنين لا يُكسر، وإرادة تُرمّم ما هدمته الحرب، فحيّ طريق الباب ليس مجرد حيّ يعود للحياة، بل ذاكرة أنفس فُقدت وأخرى ما زالت تكافح كي تعود إلى الحياة.

مقالات ذات صلة