رغم قسوة الحرب والنزوح وما خلّفاه من فقدان واستنزاف، استطاعت هبة مغربي، سيدة من مدينة يبرود في ريف دمشق، أن تبني لنفسها طريقًا جديدًا نحو النجاح، بعد أن فقدت زوجها واضطرت لإعالة أطفالها الثلاثة وحدها.
من اللجوء في لبنان إلى تأسيس مشروع نسائي في مسقط رأسها، تحولت هبة من متدربة بسيطة في مجال الفنون اليدوية إلى مدربة وصاحبة مشروع “رونق” الذي يهدف إلى تمكين النساء وتعليمهن مهارات الكروشيه والتطريز اليدوي.
تقول هبة في حديثها إلى سوريا 24 : “في تلك الأيام، لم أكن أملك سوى الخيط والإبرة، لكنهما كانا نجاتي الوحيدة من الغرق”.
دفعتها قسوة الظروف إلى اللجوء إلى لبنان، لتبدأ هناك رحلة جديدة مليئة بالتحديات. كانت ليالي الغربة ثقيلة، لكنها كانت أيضًا مساحة لاكتشاف قوتها الداخلية. في بلدٍ غريب عنها، لم يكن لديها رأس مال ولا أدوات كثيرة، لكنها امتلكت الإصرار على تحويل الألم إلى عملٍ منتج.
احتضنتها منظمة MAPS، التي تصفها بأنها “الحضن والحصن لي ولأولادي”، إذ ساعدتها على تطوير مهاراتها في فنون الكروشيه والتطريز اليدوي، لتبدأ من هناك أولى خطوات مشروعها الصغير. شيئًا فشيئًا، بدأت هبة تدريب نساء أخريات يعانين الظروف نفسها، مؤمنةً بأن كل امرأة قادرة على النهوض متى ما امتلكت الإرادة والعزيمة.
تقول بابتسامة ممزوجة بالحنين:
“كنت أعلّم النساء الغرز اليدوية، لكن الحقيقة أن كل غرزة كانت تداوي جرحًا في داخلي”.
العودة إلى الجذور
بعد تحسن الأوضاع الأمنية وعودة الاستقرار إلى مدينتها، قررت هبة العودة إلى يبرود، حاملةً معها شغفها ومهاراتها التي تحولت إلى رسالة. هناك أسست فريقها النسائي “رونق”، وهو مشروع يجمع بين الإبداع اليدوي وتمكين المرأة، ويهدف إلى تعليم الكروشيه والتطريز للسيدات والفتيات، ولا سيما اللواتي حُرمن من فرص التعليم أو العمل.
كما انضمت إلى إحدى الفرق التطوعية في المدينة، وأسهمت في إقامة دورات مجانية لتمكين الفتيات، واضعة خبرتها في خدمة مجتمعها المحلي، ومؤمنة بأن التمكين يبدأ من منح المرأة الثقة بقدرتها على الإنتاج والابتكار.
من الخيط إلى المعرض
شاركت هبة في معارض محلية ووطنية عدة، كان أبرزها معرض دمشق الدولي، الذي مثّل محطة مهمة في رحلتها، إذ عرضت فيه أعمالها أمام جمهور واسع من عشاق الفن والتراث، لتُثبت أن المنتج اليدوي السوري ما يزال قادرًا على المنافسة والإلهام.
واليوم، تسعى هبة إلى تطوير مشروعها وتوسيعه، عبر إيجاد جهة داعمة تساعدها في الترويج والتسويق لأعمالها اليدوية، بهدف خلق فرص رزق لنساء أخريات، وتحويل الفن إلى مصدر حياة.
رسالة تتجاوز الإبرة والخيط
هبة لا تكتفِ بتعليم الغرز، بل تحرص في جلساتها على غرس قيم تربوية وإنسانية بين الأمهات والفتيات، تتحدث معهن عن أهمية بناء الذات، وعن تربية الأبناء على الرحمة والوعي والمسؤولية.
تقول: “الأم الواعية قادرة أن تربي أبناء يصنعون المستقبل، كما تصنع بيديها قطعة فنية من خيط بسيط”.
وهكذا، تحيك هبة مغربي قصتها بخيوطٍ من صبرٍ ووجعٍ وإيمان، لتُثبت أن المرأة السورية قادرة على أن تصنع الجمال حتى من رماد الحرب، وتحوّل النزوح والفقد إلى طاقة حياةٍ وعطاء.
هبة، التي بدأت من لا شيء، أصبحت اليوم مدرّبة فنون وأعمال يدوية، وصاحبة مشروع ناجح رغم محدودية الإمكانيات، لتكون مثالًا يُحتذى لنساءٍ سورياتٍ واجهن قسوة النزوح فحوّلنها إلى منطلقٍ للأمل والنجاح.