ريف حلب: قرية مرعناز تعود بخطى مثقلة بالخراب

Facebook
WhatsApp
Telegram

شهم آرفاد - سوريا 24

تحاول قرية مرعناز أن تنهض من تحت الركام بعد أعوام من التهجير والاشتباكات العنيفة قرب مطار منغ العسكري.

بدأت الحياة تدبّ فيها من جديد، لكن بخطوات حذرة ومثقلة بذاكرة الحرب، إثر عودة بعض العائلات إلى القرية، بينما بقي معظم السكان نازحين في مناطق إعزاز ومخيم باب السلامة.
عودة بعد سنوات من التهجير

يقول أبو علي المرعنازي، أحد أوائل العائدين إلى القرية، في حديث لموقع سوريا 24: “كانت عودتي إلى منزلي أشبه بردّ الروح إلى الجسد”، وأنه لم يعد قادراً على دفع إيجار البيت الذي كان يستأجره في مدينة إعزاز، فكانت العودة إلى الديار هي الخيار الوحيد الممكن، بحسب قوله.

يستذكر أبو علي كيف بدأ الترميم بموارد محدودة، مضيفاً: “استعنت بصديقي الذي أقرضني جزءاً من المال، وبلغت تكاليف الترميم نحو 3 آلاف دولار”، وأنه رغم صعوبة التجربة، لكنها من جهة نظر أبو علي، كانت الأجمل خلال السنوات السابقة، لأنها أعادت إليه منزله، كما يقول.

لكنه في المقابل، يشتكي بمرارة من غياب الدعم قائلاً: “لم نتلقَّ أي مساعدة حتى الآن، ونعتمد على شراء الماء ونستخدم ألواح الطاقة الشمسية بدلاً من الكهرباء، فيما تعمل شبكة الصرف بشكل مؤقت وهناك مخاوف دائماً من أن تتوقف”.

ويختتم حديثه بلهجة يغلب عليها الأمل رغم التعب: “نأمل أن تُرمَّم المدارس والجوامع وأن تعود الخدمات تدريجياً، الحياة بلا تعليم ولا مسجد ولا ماء كأنها بلا روح”.

حنين أقوى من الأمل

قصة أبو محمود العائد حديثاً إلى القرية لا تختلف كثيراً، إذ يقول بلهجة يغلب عليها الأسى: “البيوت بلا نوافذ، الجدران مثقوبة، الأرض مليئة بالمخلفات، لكننا عدنا لأن الغربة أقسى”.
يستذكر أيام قريته قبل الحرب، قائلاً: “كانت مرعناز مزدهرة بالزيتون والقمح. اليوم لا ماء ولا شجر ولا حياة”.

مرعناز خلال سنوات الحرب خلال سنوات الصراع

كانت مرعناز من أكثر القرى التي شهدت تبدلاً في السيطرة ودماراً واسعاً في البنية التحتية. موقعها القريب من مطار منغ العسكري جعلها منذ عام 2012 على تماس مباشر مع خطوط القتال بين فصائل المعارضة وقوات النظام، ثم لاحقاً بين الفصائل المحلية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

في فبراير/شباط 2016، سيطرت قسد على المطار والقرى المحيطة، ومنها مرعناز، بعد معارك عنيفة أدت إلى نزوح جميع السكان وتحويل البلدة إلى منطقة عسكرية مغلقة.

منذ ذلك الحين أصبحت مرعناز جزءاً من جيب تل رفعت الخاضع لسيطرة قسد، وتعرضت لقصف متكرر واشتباكات على خطوط التماس، ما أدى إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية والمنازل.

استمر هذا الوضع حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، حين انسحبت قوات قسد من القرية بعد أسابيع من سقوط نظام الأسد وتغيّر موازين السيطرة شمال سوريا.

المجلس المحلي: دمار شامل وخدمات غائبة

يقول حسين الحسن، المكلّف بتسيير أمور قرية مرعناز، إن الدمار في القرية واسع وشامل: “القرية كانت على خط الجبهة لسنوات، قرب مطار منغ، وتعرضت لقصف متكرر دمّر معظم المنازل والمنشآت الخدمية”.

وبحسب الحسن، بلغ عدد المنازل المدمّرة بالكامل 110 منازل، فيما تضررت أكثر من 80 منزلاً جزئياً بنسبة تتراوح بين 25% و60%، مشيراً إلى أن “الكثير من أصحاب هذه البيوت فقدوا أقاربهم أو يعانون من إعاقات دائمة”.

وفيما يتعلق بالقطاع التعليمي والخدمات العامة، يوضح الحسن: أنّ”المدرستان في القرية خارج الخدمة، إحداهما مدمّرة بالكامل والأخرى تحتاج إلى ترميم شامل”.
وبحسب الحسن فإنّ “المساجد مهدّمة تماماً، وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق غير صالحة للاستعمال”.

ويضيف: “شبكة الأنفاق تحت الأرض متضررة بشكل كبير، وتحتاج إلى مبالغ تتراوح بين 20 و50 ألف دولار لإصلاحها”، مشيراً إلى أنّ القرية ما زالت مليئة بالألغام، ما يجعل العودة شبه مستحيلة بالنسبة لمعظم العائلات”.

ويشدّد الحسن على أنّ الواقع في مرعناز لا يزال مأساوياً، فـ”الخدمات الأساسية غائبة بالكامل، المدارس مغلقة، الجوامع خاوية، لا مياه جارية ولا كهرباء ولا طرق صالحة”، مشيراً إلى أنّ “بعض الرجال عادوا فقط لترميم منازلهم أو لحراسة ممتلكاتهم، بينما بقيت عائلاتهم في مناطق النزوح خوفاً من الألغام”.

ويختتم حديثه قائلاً: “من دون مشاريع ترميم وإزالة ألغام، لن تكون هناك عودة حقيقية. الأهالي فعلوا ما بوسعهم، لكنهم بحاجة إلى دعم حقيقي”.

الأمل يسكن بين الأنقاض رغم الخراب

لم تفقد مرعناز صوتها، فهي تعيش اليوم على الأمل أكثر مما تعيش على الخدمات، والعودة المحدودة للأهالي شهادة على تمسّك الناس بأرضهم وإصرارهم على استعادة حياةٍ فقدوها بين الحرب والنزوح.

في وجوه العائدين تعب، وفي كلماتهم إصرار، لكنّ رسالتهم واحدة: “صحيح أنّ المنازل هُدّمت، والأراضي اقتُلعت، وذهبت الأملاك… لكن الوطن عاد إلينا من جديد”.

 

مقالات ذات صلة