منذ خمسة عشر عامًا، وُلد الطفل المؤمن جمعة في مدينة حلب، ومعه بدأت رحلة والده أحمد جمعة مع الخوف والرجاء في آنٍ واحد، فمنذ أن كان الطفل في عامه الأول، لاحظ والده أن أنفاسه سريعة وأنه يتعب لأبسط مجهود، وبعد سلسلةٍ طويلة من الفحوصات، تبيّن أن قلبه يعاني من تضيقٍ في الصمام الرئوي.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت رحلة البحث عن علاج. فبين طبيبٍ وآخر، وبين مشفىٍ ومشفى، ظل الأب يسمع الجواب ذاته: “العملية الوحيدة القادرة على إنقاذ الطفل هي عملية توسيع الصمام عبر البالون، ولكنها غير متوفرة في حلب”.
ومع مرور السنوات، كان الأمل يزداد صعوبة، فكلما سأل عن إمكانية إجراء العملية في دمشق أو خارج سوريا، كان يسمع رقمًا يتجاوز ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار، وهو مبلغ يفوق قدرته.
ولهذا، لم يكن أمام الأسرة سوى الصبر والدعاء، فيما كان المؤمن يكبر ومعه الخطر الكامن في قلبه.
غير أنّ القدر كان يحمل لهم خبرًا مختلفًا هذه المرة، فبينما كانت العائلة على وشك فقدان الأمل، تلقّى الأب اتصالًا من مشفى حلب لأمراض وجراحة القلب يُخبره بأن العملية ستُجرى للمرة الأولى في المدينة، وبشكلٍ مجاني، بفضل الفريق الطبي للمنظمة الطبية السورية- الألمانية و مؤسسة الرواد الخيرية.
يقول الأب متأثرًا وهو يستعيد تلك اللحظة: “لم أصدق الخبر في البداية، ظننتها مزحة. لكن عندما وصلت إلى المشفى ورأيت التحضيرات، شعرت أن الله استجاب دعائي بعد طول انتظار”.
وفي صباح يوم العملية، وقف أحمد أمام باب غرفة العمليات، يتقاطع داخله الخوف مع الرجاء، كان الوقت يمضي ببطءٍ شديد، وكأن كل دقيقة تمرّ تزن عمرًا كاملًا، وكان كل مرورِ ممرضةٍ يدفعه للسؤال عن ابنه، في محاولةٍ منه للتشبث بأي إشارة أمل.
لكن ما إن خرج الطبيب بعد ساعاتٍ قليلة وهو يبتسم، حتى أدرك الأب أن المعجزة قد حدثت، “قال لي الطبيب: العملية نجحت، ابنك بخير. شعرت في تلك اللحظة أن قلبي أنا أيضًا عاد ينبض.. عندما رأيته يتنفس بسهولة للمرة الأولى، بكيت من الفرح.”
لقد كانت عملية توسيع الصمامات القلبية عبر البالون الأولى من نوعها في مدينة حلب، وهي تقنية تُنفّذ عبر القسطرة دون الحاجة إلى فتح الصدر، مما يقلّل من المخاطر ويسرّع من تعافي المريض، خصوصًا لدى الأطفال.
ويقول الدكتور علاء الدين بري، مدير مشفى حلب لأمراض وجراحة القلب: “اليوم نكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الطب القلبي في حلب”، وأنه : “للمرة الأولى نُجري هذه العملية الدقيقة بأيدٍ سورية، وبالتعاون مع مؤسسة الرواد الخيرية”، ويصف ما حدث بـ “نقلة نوعية تُعيد الأمل لكثير من المرضى الذين لم يكن أمامهم سابقًا سوى الجراحة المفتوحة أو السفر خارج البلاد”.
ويضيف: “من المتوقع أن نُجري نحو خمسمائة عملية قلبية تداخلية حتى نهاية هذا العام في مشفانا ومشفى الجامعة، ونطمح إلى زيادة هذا العدد في العام المقبل بدعم وزارة الصحة ومؤسسة الرواد، من أجل توسيع الخدمات المقدّمة للفقراء والمحتاجين”.
وفي المساء، جلس الأب بجانب سرير ابنه في جناح المشفى الهادئ، يراقب أنفاسه المنتظمة وكأنها موسيقى حياةٍ جديدة، وهو يحمد ربه على ما أنعم، قائلاً: “”لا شيء يساوي شعور الأب عندما يسمع دقات قلب ابنه تعود طبيعية بعد كل تلك السنين من الخوف.. الحمد لله الذي أعاد إلينا الأمل، وكتب لابني عمرًا جديدًا.”
وهكذا، لم يكن نجاح العملية إنجازًا طبيًا تحقق المنظمة الطبية السورية- الألمانية بالتعاون مع مؤسسة الرواد الخيرية ووزارة الصحة، فحسب، بل كان قصة حياةٍ كاملة استعاد فيها الأب ابنه، واستعادت حلب نبضها من جديد.









