الشرع في الرياض.. تحوّل اقتصادي سوري قيد التشكل

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص سوريا 24

حملت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة السعودية الرياض، للمشاركة في النسخة التاسعة من مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار”، أبعادًا تتجاوز الرمزية السياسية التقليدية.

فالزيارة التي شهدت لقاءات رفيعة مع كبار المسؤولين السعوديين ورؤساء مؤسسات اقتصادية دولية، قوبلت من خبراء الاقتصاد في سوريا بتوصيف دقيق بأنها ليست مجرد خطوة دبلوماسية، بل إعلان صريح عن تحوّل في موقع سوريا على الخريطة الاقتصادية الإقليمية، ومحاولة لإعادة تقديم نفسها كـ”وجهة استثمارية قيد البناء”، لا كدولة محكومة بتبعات الحرب والمعونات.

سوريا تنتقل إلى اقتصاد قائم على الشراكة والاستثمار
أكد الخبير الاقتصادي محمد غزال أن زيارة الوفد السوري إلى السعودية تمثل محطة مفصلية وتحمل رسائل بالغة الأهمية، مشيرًا إلى أن سوريا تتجه اليوم بوضوح نحو بيئة استثمارية جديدة، تقوم على مبدأ الشراكة والانفتاح، في إطار رؤية سياسية واقتصادية لبناء سوريا ما بعد الحرب.

وقال غزال في تصريح لـ”سوريا 24”: إن “الزيارة تؤكد أن سوريا تنتقل من كونها مصدرًا للأزمات إلى دولة تسعى لبناء علاقات تقوم على مبدأ (صفر مشاكل)، مع إعطاء الأولوية للاقتصاد والاستثمار، وهو ما يظهر من الانتقال من توقيع مذكرات تفاهم إلى بدء التنفيذ الفعلي للاتفاقيات الاستثمارية”.

وأضاف: “الرسالة التي يحملها الحضور السوري في المحافل الدولية هي أن البلاد باتت جاذبة للاستثمار، وأن هناك بناءً تدريجيًا لسمعة اقتصادية جديدة، تؤكد يومًا بعد يوم أن البيئة السورية باتت أكثر استقرارًا وأمانًا للمستثمرين”.
وأشار إلى أن الزيارة أسفرت عن توقيع 8 اتفاقيات بقيمة 8 مليارات ريال سعودي، ما يُعد مؤشرًا واضحًا على تعزيز الثقة السعودية، خاصة مع مشاركة كبار المسؤولين ورعاية ولي العهد، وهو ما يشكل إضاءة مهمة للمستثمرين السعوديين نحو السوق السورية وقطاعاتها المتعددة.

الاقتصاد بوابة العودة الإقليمية
من جهته، يرى الدكتور معروف الخلف، رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في جامعة دمشق، أن أهمية هذه المشاركة تتجاوز التوقيت والمكان، فهي تمثل، من وجهة نظره، رسالة إلى الداخل والخارج على حد سواء.
ويوضح لموقع سوريا 24 أن سوريا، عبر هذه المشاركة، تعلن أنها بدأت مرحلة جديدة قوامها الاقتصاد والتنمية، وأن الدولة باتت ترى في الاستثمار محركًا أساسيًا لتحقيق الاستقرار، بدلًا من الاعتماد على المساعدات.

سوريا من عبء سياسي إلى فرصة اقتصادية
ويضيف أن هذه الزيارة تعكس قراءة دقيقة للتحولات الإقليمية، حيث باتت العديد من الدول تنظر إلى سوريا كفرصة اقتصادية مؤجلة، لا كعبء سياسي.

ويذهب الخلف أبعد من ذلك، حين يشير إلى أن الاقتصاد، في هذه المرحلة، بات هو الدبلوماسية الجديدة لسوريا، والممر الإجباري نحو استعادة موقعها الطبيعي في المنطقة.

تحذير من فجوات قانونية وإدارية
لكنه، في المقابل، يحذر من التحديات المرتبطة بالبنية التحتية التشريعية والإدارية، مشيرًا إلى أن جذب الاستثمارات لا يتم عبر الخطاب السياسي وحده، بل عبر وضوح القوانين، وشفافية السوق، ووجود مؤسسات قادرة على تأمين بيئة أعمال مستقرة وآمنة.

دعوة إلى تطوير الخطاب الاقتصادي الرسمي
وفي هذا السياق، دعا الخلف إلى ضرورة تطوير الخطاب الاقتصادي الرسمي في سوريا، من خلال تعيين ناطق اقتصادي يكون بمثابة جسر تواصل مع المستثمرين المحليين والدوليين، ويوضح تفاصيل السياسات النقدية والمالية، بعيدًا عن الغموض أو الانطباعات المتضاربة. كما أشار إلى أهمية معالجة إشكالية ضبابية البيانات الاقتصادية، إذ لا يمكن – بحسب رأيه – أن يتخذ المستثمر قراره في بيئة تفتقر إلى المعلومة الدقيقة والمؤشرات الاقتصادية الدورية.

لقاءات رسمية بطابع تقني
الزيارة، التي امتدت على مدار يومين، شهدت جلسة حوارية موسعة للرئيس الشرع حول مستقبل سوريا الاقتصادي، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وعدد من الوزراء السعوديين، أبرزهم وزراء الخارجية، والاستثمار، والاتصالات.
كما عقد الرئيس السوري لقاءات مع مسؤولين في كبرى المؤسسات السعودية، مثل شركة STC، ومصرف الإنماء، والبنك السعودي الفرنسي، وشركة المراعي، إلى جانب لقاءات مع شخصيات مصرفية ورياضية دولية، منها رئيس FIFA، ورئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية.

وتمحورت النقاشات حول فرص الاستثمار داخل سوريا، وسبل تفعيل التعاون الاقتصادي الثنائي، ومساهمة القطاع الخاص السعودي في مشاريع إعادة الإعمار.

وعلى هامش الزيارة، أعلن مدير عام هيئة الطيران المدني السوري، عمر الحصري، عن مباحثات سورية–سعودية بشأن تطوير المطارات وفتح خطوط نقل جوي مباشر، في إطار خطة لزيادة التبادل التجاري والربط اللوجستي بين البلدين. كما تم الإعلان عن اهتمام سعودي بتوسيع الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا، والبنى التحتية، والطاقة البديلة.

ما أهمية المؤتمر؟!
مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار”، الذي انطلقت نسخته الأولى في 2017، يُعد من أبرز المحافل الاقتصادية الدولية التي تنظّمها المملكة العربية السعودية، عبر صندوق الاستثمارات العامة (PIF).
وتكمن أهميته في كونه منصة متعددة الاتجاهات، تجمع بين الاقتصاد، والابتكار، والحوكمة، وتقدّم نفسها كنافذة على مستقبل الاقتصاد العالمي.

وتتناول فعالياته هذا العام ملفات الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، والطاقة المتجددة، والتقنيات المالية، والحوكمة البيئية والاجتماعية، ويُلقب في الأوساط الغربية بـ”دافوس الصحراء”، نظرًا لحجم الحضور الدولي فيه.

في المجمل، يمكن القول إن زيارة الرئيس الشرع إلى الرياض لم تكن مجرد حضور دبلوماسي في مؤتمر دولي، بل حملت مضمونًا اقتصاديًا واضحًا، عبّر عن نفسه عبر الأرقام، واللقاءات، وطبيعة الخطاب الرسمي الذي ركّز على بناء الشراكات، لا استقبال المعونات.

أما التحدي الحقيقي، فيكمن في قدرة سوريا على ترجمة هذا الانفتاح السياسي إلى إصلاحات داخلية تعزز الثقة، وتؤسس لاقتصاد يستند إلى قواعد السوق، ويستوعب الاستثمارات القادمة في بيئة شفافة ومستقرة.

 

مقالات ذات صلة