منبج: السوق التجاري..تحديات البقاء في ظل استمرار الأزمة

Facebook
WhatsApp
Telegram

شهم أرفاد - سوريا 24

في قلب مدينة منبج، يمتدّ السوق القديم الذي لا يزال يحتفظ بروحه رغم تغيّر المهن وتبدّل الوجوه.
يقول رائد الشوخي، صائغ الذهب من أبناء المدينة، إنّ هذا السوق “قديم، له تاريخ طويل منذ أيام الآباء والأجداد.”
ويضيف: “يحمل السوق طابعاً تراثياً بسيطاً، ليس أثرياً بالكامل، لكنه قديم ومليء بالذكريات. في الماضي كان متنوع المهن: ألبسة، أقمشة، صياغة، ومواد غذائية، أما اليوم فقد تحوّلت معظم المحال إلى مهنة الصياغة”.

لمحة تاريخية عن سوق منبج
يُعدّ سوق منبج من أبرز معالم المدينة التاريخية والتجارية، وهو القلب النابض الذي رافقها منذ نشأتها.
نشأ السوق مع تطوّر منبج عبر التاريخ، إذ كانت المدينة مركزاً زراعياً وتجارياً مهماً منذ العصور الآرامية والرومانية، تمرّ بها القوافل القادمة من الفرات باتجاه حلب والأناضول.

ومع تعاقب العصور الإسلامية والعثمانية، حافظ السوق على طابعه كمركز للتبادل التجاري والاجتماعي، يجمع بين الحرفيين والفلاحين والتجار في بيئة واحدة. كان السوق مرآةً لتنوّع المدينة، حيث اختلطت فيه اللهجات والمهن والسلع القادمة من مناطق مختلفة.
في العهد العثماني توسّع السوق تدريجياً ليتكوّن من خانات وورشات صغيرة، ثم ازدهر خلال القرن العشرين مع تطوّر النشاط الزراعي والتجاري في المنطقة.
غير أنّ العقود الأخيرة شهدت تراجعاً واضحاً بسبب الحرب وتقلّب الأوضاع الأمنية، ما أدى إلى تقلّص المهن التقليدية وتركّز النشاط التجاري في مجالات محددة أبرزها الصياغة وبيع التحف والمقتنيات القديمة.
ورغم هذه التحوّلات، لا يزال السوق يحتفظ بجزء من نسيجه التاريخي وشكله المعماري المميّز الذي يعكس روح المدينة القديمة، ويُعدّ اليوم من الرموز الحيّة لتراث منبج الشعبي.

مهنة الصياغة بين الغش في عهد البائد وإعادة التنظيم
يقول رائد الشوخي لسوريا 24 إنّ مهنة الصياغة تأثّرت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، خاصة في الفترة التي سبقت التحرير، موضحاً أنّ “الطرقات كانت مقطوعة، والذهب كان يُجلب من حلب، وأيّ ذهب يدخل إلى مناطق خارج سيطرة النظام كان يُعتبر مهرّباً فيُصادَر إذا تم ضبطه”.

ويضيف: “في تلك الفترة ظهرت مشاكل تتعلّق بالعيارات والغش في المصلحة، لكنّ النقابة اليوم تؤدي دورها بمتابعة دقيقة، وهناك ضبط واضح لجودة العيارات، وهذا الأمر يصبّ في مصلحة المستهلك”.
أما عن الأسعار، فيؤكد الشوخي أنّ “الذهب تضاعف سعره تقريباً بنسبة مئة في المئة خلال العام الفائت؛ إذ كان سعر الغرام يتراوح بين 55 و60 دولاراً، بينما وصل اليوم إلى نحو 116 دولاراً”.
ويرى أنّ هذا الغلاء “عالمي، مرتبط بالأزمة الاقتصادية الدولية.” ومع ذلك “هناك إقبال على الشراء خوفاً من ارتفاع الأسعار أكثر في المستقبل.”

تجارة التحف… ذاكرة منبج الحيّة
يقول محمد، صاحب محل للتحف القديمة قرب خان الوزير، إنّه يبيع “قطعاً قديمة ومستعملة، أغلبها من النوع التراثي”.
ويؤكد أنّ “الناس تحب رؤية الأشياء التي تذكّرها بالماضي، حتى وإن كانت ظروفها صعبة”.
ويضيف: “الوضع المعيشي ضاغط، ومعظم الناس منشغلة بتأمين الأساسيات كالطعام وأجور المنازل، لذلك من الصعب أن يفكر أحد باقتناء التحف أو الزخارف”.

ويشير إلى أنّ السوق فقد جزءاً من تنوّعه السابق، إلا أنّه لا يزال يحتفظ بجوّه التقليدي الذي يعيد للزائرين شيئاً من عبق الماضي وروح المدينة القديمة.

البسطات… ملاذ الباعة الصغار
أما أحمد العلي، صاحب بسطة في السوق المغطّى، فيقول: إنّ “إيجارات المحال مرتفعة، وكلما اشتغل المحل يرفع صاحبه السعر، فقررت أن أظل على بسطة، وأقتنع بأرباح بسيطة”.
ويضيف: “الناس وضعها صعب، وخصوصاً النازحين وأصحاب البيوت المهدّمة”.
ويعبّر عن أمله بأن تركز إدارة منبج على الخدمات الأساسية مثل النظافة، الكهرباء، إزالة القمامة، وتأمين فرص عمل للشباب.
ويختتم حديثه بالقول: “نحن لا نطلب المستحيل، فقط ما يساعد الناس على العيش بكرامة”.

الضرائب والجمرك… عبء يثقل كاهل السوق
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، إلا أن الأسعار ما تزال مقبولة من وجهة نظر أبو إبراهيم، أحد تجار السوق، الذي يقول في حديثه لـ«سوريا 24» : إنّ “الأسعار ما زالت مقبولة إلى حدّ ما، لكن المواد المستوردة ارتفعت بشكل ملحوظ بسبب الضرائب الجمركية”.

ويضيف: “المنتج المحلي ما يزال ضعيفاً، والمستورد ارتفعت أسعاره بنسبة تتراوح بين خمسة وستة في المئة على الأقل، نتيجة الضرائب المفروضة”.

ويشير إلى أنّ تراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف النقل والرسوم الجمركية أثّرا على حركة البيع والشراء، ما جعل السوق يعيش حالة من التباطؤ التجاري رغم استمراريته.
بين الماضي والحاضر… سوق منبج يستمر بالحياة
رغم كل التحدّيات، يبقى سوق منبج القديم شاهداً على تاريخ المدينة وحيويتها.

بين صائغ يتابع تقلبات أسعار الذهب العالمية، وتاجر يعيد إحياء ذاكرة المكان بقطع تراثية، وبائع بسيط يحلم بفرصة عمل مستقرة، تواصل منبج محاولتها للنهوض من جديد بثبات وإصرار على حياة أفضل.

 

 

مقالات ذات صلة