في الوقت الذي يشهد فيه العالم قفزات هائلة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ما تزال سوريا تواجه تحديات كبيرة تعيق انخراطها في العصر الرقمي الحديث، نتيجة ما يصفه خبراء بـ”الأمية الرقمية”، التي تهدد سلامة المجتمع وأمنه المعلوماتي في ظل ضعف البنية التحتية والوعي التقني لدى الأفراد والمؤسسات.
الأمية الرقمية.. خطر يتجاوز الجهل باستخدام الحاسوب
يشرح خبير الأمن الرقمي يمان الخولي في حديثه إلى سوريا 24 أن الأمية الرقمية لا تعني فقط الجهل بتشغيل الأجهزة أو تصفح الإنترنت، بل تمتد لتشمل ضعف الفهم والاستخدام الواعي للمعلومات والبيانات عبر الوسائط الرقمية.
يقول: على المؤسسات والأفراد إدراك مخاطر الفجوة الرقمية والعمل على تعزيز الوعي بالأمن السيبراني”.
ويضيف الخولي: “الأمية الرقمية هي غياب المهارات التقنية والتحليلية والإبداعية التي تتيح للفرد التعامل بوعي مع البيئة الرقمية، وهي تهديد حقيقي للمجتمع إذا لم تُعالج بشكل منهجي ومستمر”.
ويؤكد أن هذه الفجوة المعرفية تجعل المستخدمين أكثر عرضة للابتزاز الإلكتروني، والجرائم الرقمية، والتضليل الإعلامي الممنهج، خصوصًا في بيئة هشة ومتأثرة بالصراعات، ما ينعكس سلبًا على التماسك الاجتماعي وسلامة الأفراد والمؤسسات.
تحديات البنية التحتية وضعف الحريات الرقمية
رغم وجود توجه استراتيجي من القيادة الجديدة نحو التحول الرقمي وتبني التقنيات الحديثة في مجالات التجارة والتعليم والصحة، يؤكد الخولي أن هذا الانفتاح لن ينجح ما لم يترافق مع توسيع حرية الوصول إلى الإنترنت ورفع القيود المفروضة على تدفق المعلومات.
ويشير إلى أن سوريا ما تزال تُصنّف ضمن الدول “غير الحرة رقمياً” وفق تقييم منظمة فريدوم هاوس (Freedom House) لعام 2025، إذ حصلت على 17 من أصل 100 نقطة، في حين تأتي في المرتبة الأخيرة عالميًا بسرعة الإنترنت وفق مؤشر Speedtest Global Index، بسرعة تقل عن 4 ميغابت في الثانية.
مسؤولية جماعية لمحو الأمية الرقمية
ويرى الخولي أن معالجة الأمية الرقمية لا يمكن أن تكون مسؤولية حكومية فحسب، بل هي جهد مشترك بين المؤسسات التعليمية والإعلامية والمدنية.
ويقول في هذا السياق: “يجب أن تبدأ جهود محو الأمية الرقمية من المدارس والجامعات، وأن تمتد لتشمل كبار السن والفئات الهشة، لأنهم الأكثر عرضة للاستبعاد الرقمي، وهنا تكمن أهمية برامج التمكين الرقمي المجتمعي”.
ويضرب مثالًا بعدة مبادرات عربية ناجحة مثل “المدينة الرقمية لكبار السن” في الأردن، و”المجتمع الرقمي لكبار السن” في دولة الإمارات، التي أسهمت في دمج هذه الفئة في الحياة الرقمية من خلال مراكز تدريب متخصصة على استخدام التكنولوجيا الحديثة.
نصائح الخبير يمان الخولي للمؤسسات والأفراد
في ختام حديثه، شدد خبير الأمن الرقمي على مجموعة من النصائح العملية التي يمكن أن تسهم في الحد من الأمية الرقمية وتعزيز الأمان السيبراني في سوريا، من أبرزها:
رفع الوعي بالأمن الرقمي من خلال حملات توعية مستمرة في المدارس والمؤسسات.
تدريب الموظفين على إدارة البيانات واستخدام أدوات الحماية الرقمية مثل كلمات المرور القوية والمصادقة الثنائية.
تعزيز الشفافية الحكومية في إتاحة المعلومات الرقمية للمواطنين.
دمج التعليم الرقمي في المناهج الدراسية منذ المراحل الابتدائية.
تمكين الفئات الضعيفة وخاصة كبار السن من خلال برامج تدريبية مجانية.
إنشاء منصات وطنية للتوعية الإلكترونية تنشر إرشادات أمنية وتتابع المستجدات التقنية.
ويختتم الخولي حديثه بالقول: “التحول الرقمي لا يتحقق بشراء الأجهزة أو إنشاء المواقع فقط، بل يبدأ من وعي الإنسان، فهو الخط الدفاعي الأول في مواجهة الأمية الرقمية والتهديدات الإلكترونية”.








