تصاعدت في الآونة الأخيرة شكاوى سكان مدينة حمص من عودة ظاهرة التسول على الإشارات الضوئية والشوارع الرئيسية، لا سيما في الأوقات المسائية، ما دفع جهات رسمية إلى التحرك عبر آليات جديدة تستهدف جذور الظاهرة، خصوصاً تلك المرتبطة باستغلال الأطفال.
ظاهرة لا تُحتمل بعد تراجعها مؤقتاً
أشار المواطن حسان أبو نوح، أحد سكان حمص في حديث لمنصة سوريا 24، إلى أن ظاهرة التسول “أصبحت لا تُحتمل”، موضحاً أن الظاهرة ازدادت بعد “التحرير” وازدحمت بها الأماكن العامة، لا سيما بين الساعة الجديدة والساعة القديمة، وخلال الفترة المسائية من الساعة الخامسة فصاعداً.
وأضاف أبو نوح أن حملة سابقة نفذتها محافظة حمص بالتعاون مع الشرطة قبل فترة نجحت في تقليص الظاهرة بشكل ملحوظ، إذ “تم التحقق من هويات المتسولين، وجرى التمييز بين من يمارس التسول كمهنة ومن له ظروف اجتماعية استوجبت المساعدة”، ما أدى إلى “اختفاء شبه كامل للظاهرة آنذاك”.
لكنه لفت إلى أن الظاهرة “عادت للتفشي مجدداً، وإن بمستوى أقل من السابق”، مؤكداً أن هذا التصاعد يثير مخاوف السكان من تداعياته الأمنية والاجتماعية.
قسم جديد لمكافحة الاتجار بالبشر
في سياق متصل، ذكر أبو نوح أن المحافظة، بالتنسيق مع قيادة شرطة حمص، اتخذت خطوات مؤسسية جديدة لمعالجة الجذور العميقة للظاهرة.
وقال أبو نوح إنه أعلن خلال اجتماع عُقد قبل أيام حضره محافظ حمص ومدير أمن حمص، عن استحداث قسم خاص بالاتجار بالبشر، ضمن مهامه مكافحة التسول المنظم، لا سيما الذي يشمل استخدام الأطفال.
وأوضح أن القسم الجديد “يهدف بالأساس إلى التصدي لحالات استدراج الأطفال أو إجبارهم على التسول”، مشيراً إلى أن “العمل جارٍ على تفعيل هذا القسم، ومن المتوقع أن يبدأ تطبيقه قريباً”، متوقعاً أن “يحقق نتائج ملموسة في تقليص الظاهرة”.
التسول ليلاً وغياب الرقابة في مناطق محددة
من جهته، أشار محمد الرحال من سكان مدينة حمص، في حديث لمنصة سوريا 24، إلى أن التسول “لم يعد يعمّ كل المدينة، بل يتركز في أماكن محددة، خصوصاً ليلاً”، موضحاً أن “أشهر بؤر التسول حالياً هي إشارة القلعة وإشارات الحمرا”.
ورأى الرحال أن السبب في تركّز الظاهرة ليلاً يعود إلى “وجود حملات مكافحة نهارية ناجحة”، ما يدفع المتسولين إلى تغيير توقيت تواجدهم، مستغلين غياب الرقابة المسائية.
وأضاف: “الظاهرة مقتصرة على فئة معروفة محلياً باسم ‘القرباط’، وهم لا يظهرون إلا في ساعات متأخرة من الليل”، داعياً الجهات المعنية إلى “تكثيف الجولات المسائية وتوسيع نطاق المكافحة ليشمل جميع الفترات”.
تنسيق أمني اجتماعي لمكافحة التسول
من جهتها، قالت جميلة أبو الخير، عضو مكتب تنفيذي لقطاع الشؤون الاجتماعية والعمل بحمص في حديث لمنصة سوريا 24: تُتابع الجهات المختصة في محافظة حمص ملف التسوّل باهتمام، وقد تمّ تسليم الملف إلى جمعية البر والخدمات الاجتماعية في حمص لمتابعته، لكن تبيّن أن الموضوع بحاجة إلى دعم من قِبل قوات الشرطة لضمان سلامة الإجراءات وسلامة الأشخاص، وذلك نتيجة حالات الصدام التي قد تحدث مع بعض المتسولين أثناء تنفيذ المهام الميدانية”.
وتابعت: “كما أن الملف مرتبط بعدد من القضايا الأخرى مثل قضية مكتومي القيد، إضافة إلى الارتباط بشرطة مكافحة تجارة الأعضاء، ما يستدعي تنسيقاً مشتركاً سيتم العمل عليه بين جميع الجهات المعنية لتنفيذ الإجراءات بشكل متكامل وآمن”.
وعن الجهود التي تُبذل لضبط هذه الظاهرة والحدّ منها، أوضحت بالقول: “يتم حالياً متابعة الحالات الإنسانية للمتسولين وتوجيه الجمعيات المحلية لمساعدتهم حسب الإمكانيات المتاحة، بما يضمن التعامل الإنساني مع الحالات المحتاجة ودعمها”.
وختمت قائلة: “كما يجري في الوقت الراهن العمل على تأهيل وتجهيز مركز خاص بالأحداث لاستقبال المتسولين ممن هم دون سن الثامنة عشرة، والعمل على تأهيلهم جسدياً ونفسياً وتعليمياً تمهيدًا لإعادة دمجهم في المجتمع”.
بين الواقع والمعالجة: هل تكفي الآليات الحالية؟
رغم الجهود المعلنة، يبقى السؤال حول مدى فعالية الإجراءات المتخذة في ظل عودة الظاهرة بشكل متكرر.
ورغم أن الحملات الأمنية المؤقتة نجحت في تقليص التسول لفترات محدودة، فإن غياب الحلول الاجتماعية الدائمة، كالرعاية الاجتماعية، وتشغيل الأسر الفقيرة، ومكافحة الاستغلال المنظم، يبقي الظاهرة عرضة للعودة.








