في زمن ما زالت فيه بعض المفاهيم التقليدية تقيّد دور المرأة، تخرج من مدينة عامودا شمال محافظة الحسكة الشابة هيلين عبدالعزيز حمي لتثبت أن الإرادة قادرة على كسر أي قيد، وأن القيادة بمفهومها الحقيقي تبدأ من الداخل قبل أن تُترجم على الطريق.
هيلين، البالغة من العمر 22 عاماً، طالبة في السنة الخامسة من هندسة المعلوماتية، لم تكتفِ بالجلوس خلف شاشة الحاسوب، بل اختارت أن تمسك بالمقود وتشق طريقاً جديداً للفتيات في منطقتها. منذ كانت في الرابعة عشرة من عمرها، انجذبت إلى عالم السيارات، فحوّلت شغفها إلى مهنة ورسالة اجتماعية.
في حديثها إلى «سوريا 24»، تروي هيلين بدايتها بثقة وهدوء: “بدأ شغفي بعالم السيارات عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري. كانت تجربة جديدة بالنسبة لي، وشعرت منذ اللحظة الأولى أن القيادة تمنحني إحساساً بالحرية والمسؤولية في آن واحد”.
تقول إنها استمرت في تطوير مهاراتها حتى أصبحت اليوم أول مدرّبة قيادة في منطقتها، مضيفة: “كنت أعلّم صديقاتي وقريباتي في البداية كهواية، ومع تشجيعهن قررت أن أحوّل هذه الهواية إلى عمل جاد، وبدأت بتدريب الفتيات بشكل منتظم”.
حتى اليوم، قامت هيلين بتدريب أكثر من 47 متدربة من الفتيات والنساء فوق سن الثامنة عشرة. ومع ذلك، تؤكد أن الطريق لم يكن سهلاً، فهناك عقبات كثيرة تواجهها يومياً أثناء التدريب. “الطرق في المدينة تعاني الحفر والمطبات، ولا توجد ساحات مخصصة للتدريب، مما يضطرنا أحياناً إلى الذهاب إلى أماكن بعيدة لتأمين بيئة آمنة للقيادة”.
وعن المواقف التي تواجهها خلال الدروس، تقول: “في الأيام الأولى يشعرن بالتوتر والخوف، خصوصاً عندما يواجهن مواقف مفاجئة في الطريق، لكن مع التدريب المستمر يكتسبن الثقة ويتعاملن مع المواقف بحكمة أكبر”.
هيلين ترى في عملها رسالة تتجاوز تعليم مهارة القيادة، فهي تعتبر أن الهدف الحقيقي هو تمكين النساء وتعزيز ثقتهن بأنفسهن.
“القيادة ليست مجرد وسيلة نقل، إنها خطوة نحو الاستقلالية. أريد لكل فتاة أن تعتمد على نفسها في التنقل والقيام بواجباتها دون الحاجة إلى مساعدة أحد”.
وتشير إلى أن نظرة المجتمع بدأت تتغير تدريجياً بفضل الجهود التي تبذلها: “في البداية كان هناك استغراب كبير عند رؤية فتاة تقود سيارة، أما الآن فأصبح الأمر طبيعياً ومقبولاً. بل إن عدداً من الفتيات اللاتي تدربن معي أصبحن مدرّبات أيضاً، وهذا مصدر فخر كبير بالنسبة لي”.
وعن مشاريعها المستقبلية، توضح هيلين أنها تفكر في توسيع نشاطها تدريجياً: “فكرت في افتتاح مدرسة خاصة لتعليم القيادة، لكنني أرى أن التدريب الواقعي في الشوارع العامة يمنح المتدربات خبرة حقيقية لا يمكن الحصول عليها داخل ساحة مغلقة”.
وفي ختام حديثها، وجّهت هيلين رسالة ملهمة لكل فتاة سورية: “أنصح كل فتاة بأن تتجاوز الخوف وألّا تلتفت إلى الانتقادات أو نظرة المجتمع. القيادة تمنح المرأة قوة وثقة بنفسها، وتفتح أمامها آفاقاً جديدة في حياتها”.
بهذه الروح الطموحة والإصرار الواضح، تثبت هيلين حمي أن القيادة ليست مجرد مهارة، بل وسيلة لتغيير الواقع وكسر القيود. ومن خلف المقود، قادت جيلاً جديداً من الفتيات في عامودا نحو طريق الثقة والاستقلال.









