يواجه صيادو طرطوس واقعاً متردّياً يجمع بين الفقر المدقع وانهيار الدخل، وضعف الحماية القانونية، وسط غياب تام لأي جهة تمثيلية تدافع عن حقوقهم أو تنظّم مهنتهم في ظل تحوّلات اقتصادية وسياسية عميقة تطال القطاع السمكي السوري.
دخل متقلب ومصروف ثابت
يقول عبد الرزّاق نشار، أحد سكان جزيرة أرواد وابن مجتمع الصيادين في حديث لمنصة سوريا 24: “هموم الناس حسب كل شخص ومصلحته، الصياد لديه أكبر الهموم لأنه أقل مدخول وأكثر مصروف”.
ويشرح أن المصروف اليومي للصياد يتجاوز الـ100 دولار أميركي، بين طُعم و”مازوت” ومعدات صيد، في وقت لا يضمن فيه الصياد اصطياد الحد الأدنى المطلوب من الكيلوغرامات، نحو 20 كغ يومياً، لتحقيق التعادل المالي.
وأضاف نشار: “لا يوجد مردود شهري واضح. أوقات بيتم اصطيادهن وأوقات لا، وأحياناً يتم البيع بحدود مليونَي ليرة سورية، وأحياناً لا شيء”.
ويُرجع انخفاض فرص الصيد إلى عوامل مناخية، إذ لا تتجاوز أيام الطقس الملائمة للصيد عشرة أيام شهرياً، ما يجعل المهنة شديدة التقلّب وغير قادرة على تأمين دخل ثابت لأسر الصيادين.
غزو السمك التركي وانهيار الأسعار
أحد أكبر التحديات التي يواجهها الصيادون اليوم هو تدفق الأسماك المستوردة، خصوصاً التركية، إلى الأسواق المحلية.
ويوضح نشار أن “السمك التركي غطّى على السمك المحلي بالسوق”، رغم الإقبال الشعبي على المنتج المحلي، الذي يعاني من “سعره المتدني” مقارنة بتكاليف إنتاجه.
ويُشير إلى مفارقة صارخة في الأسعار: “أغلى نوع سمك هو اللقس الرمالي والفريدي، وسعر الكيلوغرام منه يصل إلى 300 ألف ليرة بسبب ندرته، أما اللقس الصخري، الذي كان سعر الكيلو منه يعادل 100 دولار قبل سنوات، فلا يتجاوز اليوم الـ10 دولارات للكيلوغرام، بسبب المنافسة غير العادلة مع المستورد”.
الصيد الجائر وغياب الرقابة
إلى جانب التهريب والمنافسة، يواجه الصيادون ما وصفه نشار بـ”الصيد الجائر”، المتمثّل باستخدام المتفجّرات وأجهزة الغوص غير القانونية، وهو ما يؤدي إلى تدمير الثروة السمكية وتقليل أعداد الأسماك في المياه الإقليمية السورية.
ويشير إلى أن الزوارق اللبنانية تستغل غياب الرقابة على الحدود البحرية، و”تصيد بالمتفجرات في المياه السورية”، ما يفاقم الأزمة.
ويطالب نشار الدولة السورية بـ”ضبط الحدود البحرية مع لبنان”، لوقف هذا النوع من الصيد غير المشروع الذي يهدّد مستقبل المهنة ويُفقِر الصيادين الشرعيين.
مطالبات بتشكيل نقابة للصيادين
في ظل هذا الواقع، يرفع سكان جزيرة أرواد صوتهم مطالبين بـ”تشكيل نقابة صيادين” تكون ممثلة رسمياً، وتُدافع عن حقوقهم، وتنسّق مع الجهات المعنية لتحسين ظروف عملهم.
ويقول نشار: “نحن أهالي جزيرة أرواد نطالب بتشكيل نقابة صيادين تدافع عنهم وتحفظ حقوقهم”.
ويضيف أن “الصيادين مهمشون بشكل كبير، وخاصة الصيادون في جزيرة أرواد”، معتبراً أن غياب التمثيل النقابي يعمّق من هشاشة وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.
بين مناخ عاصف واقتصاد منهار ومنافسة غير عادلة، يعيش صيادو الساحل السوري على حافة البقاء. ويبقى السؤال: هل ستستمع الحكومة السورية لمطالبهم قبل أن يُجبروا على ترك مهنة الآباء والأجداد، ليبحثوا عن لقمة عيشهم خارج مياههم؟








