تشهد مدارس محافظة درعا هذا العام أزمة غير مسبوقة في توفير الكتب المدرسية، ما وضع الأهالي والطلاب أمام تحديات كبيرة مع بداية العام الدراسي. شهادات الأهالي والمسؤولين تكشف أبعاد الأزمة وتباين الأسعار بين المحافظة ودمشق، ما يعكس حجم النقص وأهمية التنسيق المحلي لضمان وصول الكتب.
المزيريب نموذجًا لمعاناة الأهالي مع الكتب التالفة
في بلدة المزيريب، يواجه الأهالي صعوبة كبيرة في تأمين كتب مدرسية صالحة للاستعمال، ما دفع كثيرين منهم إلى شراء نسخ مصوّرة بأسعار مرتفعة.
أحمد النابلسي، أحد أولياء الأمور، أكدّ أن معظم الكتب المستلمة تالفة أو ناقصة، ما اضطر الأهالي إلى شراء نسخ مصوّرة، وقال : إنّ “الكتب التي توزعها المدارس لا تصلح للدراسة، بعض الصفحات مفقودة وبعض الوحدات غير موجودة”، لافتاً إلى أنه اشترى ثلاثة كتب بـ125 ألف ليرة، “ومع ذلك اضطر ابني لاستخدام نسخ مصوّرة لأنها أوضح وأكمل”.
وأشار النابلسي في ختام حديثه إلى أن المشكلة عامة، حيث يُطلب من الطلاب شراء كتب بديلة من بعض المكاتب، بينما يعتمد البعض على علاقاتهم بالمدرسين أو الإدارات للحصول على نسخ أفضل.
نوى تواجه الأزمة بسبب تأخر التوريد
مدينة نوى لم تكن أوفر حظًا، حيث تأخرت وزارة التربية في إرسال دفعات الكتب الجديدة فاقم من حجم الأزمة هناك، وقال محمد النصرالله، مدير المجمع التربوي في نوى لموقع سوريا 24 إنّ “الأزمة تعود أساسًا إلى تأخر وصول الدفعات الجديدة، وأن المجمع لا يملك صلاحية توفير بدائل قبل استلام الكميات الرسمية”.
وأوضح أن بعض الكتب ما تزال قيد الطباعة لدى مؤسسة المطبوعات، مشيرًا إلى أنها تبيع جزءًا محدودًا منها لتغطية التكاليف، إلا أن هذه الكميات لا تعتمد عليها المدارس.
وبيّن النصرالله أن الكتب القديمة التي وزعتها بعض المدارس ليست تالفة من المصدر، وأن 40 إلى 60 بالمئة من الطلاب لم يحصلوا على كتب كاملة، ما دفع بعضهم لطباعة أجزاء من الكتب أو المقرّر كاملًا على نفقتهم الخاصة.
كما أكد أن مناهج مثل الاجتماعيات والتربية الإسلامية ستشهد تغييرًا واسعًا، وأن الكتب الجديدة ستصل خلال عشرة أيام وفق متابعة الوزارة.
الصنمين أمام نقص حاد ومعاناة حقيقية
في مدينة الصنمين شمال درعا، يبدو النقص في الكتب أكثر وضوحًا، خاصة في المواد الأساسية، خالد اللباد، مدير المدرسة الإعدادية الثانية (حلقة ثانية)، أوضح حجم النقص قائلًا: “نواجه مشكلة كبيرة في توفير الطبعات الجديدة للكتب مثل الجغرافيا والتاريخ والإسلامية”.
مشيراً إلى أنّه من أصل 200 طالب في الصف التاسع وصلنا فقط 50 كتابًا لكل مادة، والنقص يصل إلى 150 كتابًا”، مشيراً إلى أنّ تأمين النقص يعتمد على جهود شخصية، مثل شراء الكتب أو استعارتها، مؤكدًا أن الوضع يمثل معاناة حقيقية للأهالي.
وأضاف أن الأسعار متفاوتة، إذ اضطر لشراء كتب لبناته بأسعار تراوحت بين 17 و27 ألف ليرة، بينما تصل أسعار الكتب الحرة إلى 35 ألف ليرة.
دمشق ودرعا ..اختلاف كبير في واقع الكتاب المدرسي
رصد مراسل “سوريا 24” أن أسعار الكتب في دمشق أقل بكثير من درعا، حيث تمكن أحد الأهالي من شراء كتابَي الاجتماعيات والإسلامية لابنه في الصف الرابع بـ7800 و6700 ليرة فقط، في حين وصلت الأسعار في درعا إلى 65 ألف ليرة لنفس الكتب.
وذكر مصدر في مستودع الكتب التابع لوزارة التربية لموقع سوريا 24 أن الكتب متوفرة، لكن نجاح توزيعها يعتمد على متابعة الجهات التربوية في درعا، والتنسيق الفعّال مع الوزارة.
يبقى الكتاب المدرسي الركيزة الأساسية في العملية التعليمية، فهو الوسيلة الأولى التي يتكئ عليها الطالب والمعلم على حدّ سواء. وما تشهده مدارس درعا من نقص حاد في الكتب أو توزيع نسخ تالفة، لا يُهدد فقط جودة التعليم، بل يُكرّس شعورًا بالإهمال وغياب العدالة بين الطلاب في مختلف المحافظات.
إن ضمان وصول الكتاب السليم وفي الوقت المناسب لكل طالب، ليس ترفًا تربويًا، بل حق أساسي لا يمكن لأي إصلاح تعليمي أن يتحقق من دونه. فالنهضة التعليمية تبدأ من الورقة الأولى في كتاب نظيف وواضح، يحمل المعرفة ويصون كرامة المتعلّم.










