في ريف دمشق الشرقي، تقف بلدة حران العواميد مثالاً صارخاً على بلدات دفعت ثمناً باهظاً خلال سنوات الحرب، وما تزال حتى اليوم تعاني من الإهمال وغياب الخدمات الأساسية، رغم عودة آلاف من سكانها المهجّرين.
دمار واسع وعودة خجولة للسكان
قبل عام 2011، كان عدد سكان البلدة يتجاوز 25 ألف نسمة. اليوم، ورغم عودة بعض الأهالي، إلا أن آثار الحرب ما تزال تطغى على المشهد العام، بحسب ما يؤكده الناشط الإعلامي منذر، أحد أبناء المنطقة، في حديثه إلى “سوريا 24”.
يقول منذر: “حران العواميد تعرضت لتدمير ممنهج، إذ استخدم النظام آليات ثقيلة وهدم المنازل والمدارس بيتاً بيتاً. أكثر من 70% من البنية السكنية والخدمية دُمرت بالكامل، بما فيها البلدية والمخفر والمدارس”.
ويضيف أن معظم أهالي البلدة هجروها خلال الحرب، وتوزع قسم كبير منهم في الشمال السوري ولبنان، فيما عاد جزء منهم خلال الأعوام الماضية إلى الضواحي رغم صعوبة الأوضاع.
زراعة مشلولة بسبب السواتر والخنادق
تعتمد البلدة تاريخياً على الزراعة، لكن هذا القطاع تضرر بشكل عميق، وفق ما يوضحه عصام خلف، رئيس مجلس الأعيان في البلدة: “الأراضي الزراعية بمعظمها مخربة، وهناك سواتر ترابية وخنادق أقامها النظام تمنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم أو استثمارها”. هذا الواقع حرم السكان من مصدر رزقهم الأساسي، وفاقم حالة الفقر في المنطقة.
غياب شبه كامل للخدمات
يشير أيضاً إلى افتقار البلدة شبه التام للخدمات الأساسية، سواء الصحية أو التعليمية أو الخدمية. ويوضح منذر: “لا يوجد هاتف أرضي، والآبار قليلة، والمدارس مكتظة بشكل كبير، حيث يصل عدد الطلاب في الصف الواحد إلى 50 أو 60 طالباً”.
أما القطاع الصحي، فليس أفضل حالاً، إذ تضم البلدة مستوصفاً وحيداً يغلق أبوابه عند الثانية ظهراً، ما يجبر الأهالي على التوجه ليلاً إلى حرستا أو دمشق، رغم بُعد المسافة وصعوبتها، خاصة في الحالات الطارئة.
كما يعاني قطاع النظافة من انهيار تام، إذ لا تملك البلدية ميزانية حتى لجمع القمامة، وفق ما يؤكده الأهالي، إلى جانب نقص متزايد في كميات الطحين المخصصة للمخابز.
تخريب للآثار وتراجع في البنى الإدارية
تضم البلدة أعمدة وآثاراً رومانية نادرة، لكنها هي الأخرى لم تنجُ من التخريب. يقول أحد السكان: “حتى المواقع الأثرية تعرضت للحفر والتدمير من قبل النظام”.
إدارياً، تشير مصادر محلية إلى أن الوحدات الإدارية التي كانت تتبع للبلدة سابقاً جرى نقلها إلى بلدات مجاورة، ما زاد من شعور الأهالي بالتهميش.
بلدة قدمت مئات الشهداء ومورس بحقها التهجير القسري
يُجمع أهالي حران العواميد على أن بلدتهم كانت من أوائل البلدات التي خرجت في مظاهرات عام 2011، وهو ما جعلها “هدفاً مباشراً” لعمليات عسكرية قاسية نظراً لقربها من مطار دمشق الدولي، الذي كان—بحسب الأهالي—مركزاً للمجموعات الموالية للنظام والمليشيات الأجنبية.
يقول باسل البوش، من أبناء المنطقة، في مداخلة لـ”سوريا 24″: “قدمت حران العواميد أكثر من 1500 شهيد، إضافة إلى أعداد كبيرة من المعتقلين والمفقودين. تعرضنا للتهجير القسري، وتبع ذلك تدمير ممنهج للبيوت وردم للآبار وقطع للأشجار”.
أهالي البلدة: نشعر اليوم بخيبة أمل
ورغم وقوف أبناء البلدة إلى جانب الحكومة السورية الحالية، كما يؤكد الأهالي، فإن شعوراً متزايداً بالإحباط يسود بينهم بسبب غياب مشاريع تحسين الواقع الخدمي.
يقول البوش: “نحن جزء من هذا الوطن ووقفنا مع الحكومة السورية الوليدة رغم صعوبة الظروف الاقتصادية، لكن من حقنا أن نشعر بأن منطقتنا ليست مهمشة، وأن تُنفذ فيها مشاريع أساسية مثل الصرف الصحي وتزفيت الطرق والإنارة”.
مطالب واضحة للحكومة السورية
يطالب الأهالي بضرورة الالتفات إلى البلدة ومحيطها، ودعمها بخطط تنموية وخدمية مستدامة، أسوة بباقي بلدات الغوطة الشرقية، بما يضمن إعادة الحياة الطبيعية إليها وتعزيز صمود سكانها.









