رغم القرار الحكومي الأخير القاضي بخفض أسعار المشتقات النفطية، ولا سيما المازوت والبنزين، بنسبة 25%، لا تزال أجور النقل العام والسرافيس والتكاسي تسجل استقراراً عند مستويات مرتفعة، بل وتشهد ارتفاعاً في بعض المناطق، دون أي مبرر اقتصادي أو فني واضح.
أسعار النقل تثقل كاهل الأسر
هذا الواقع أثار موجة استياء واسعة بين المواطنين في مختلف المحافظات، ولا سيما في مدينة حمص وريفها، حيث باتت أسعار النقل تشكل عبئاً إضافياً على كاهل الأسر، في ظل غياب آليات رقابية فاعلة أو قرارات تنظيمية تلزم مزودي الخدمة باحترام العلاقة المنطقية بين تكلفة التشغيل والسعر المفروض على المواطن.
ففي غياب هيكلية تسعير واضحة أو رقابة ميدانية فعالة، تحولت العلاقة بين الراكب والسائق إلى مسألة تفاوض فردي، يفتقر إلى أي ضمانات للشفافية أو العدالة، ما فتح الباب أمام استغلال الظروف من قبل بعض المشغلين، تحت ذرائع غير مثبتة مثل ارتفاع تكاليف الصيانة أو تذبذب أسعار قطع الغيار، رغم تراجع تكلفة الوقود الذي يشكل العنصر الأكبر في كلفة التشغيل.
مطالبات بتخفيض أجور السرافيس
في هذا السياق، أكد عدد من سكان مدينة حمص أن بعض سائقي السرافيس رفعوا الأجرة من 2000 إلى 2500 ليرة سورية على خطوط داخل المدينة، من دون أي مسوغ تنظيمي أو توجيه رسمي، ما دفع عدداً من المواطنين إلى المطالبة، خصوصاً من ذوي الدخل المحدود، بتخفيض أجرة السرافيس إلى 1500 ليرة سورية، باعتبارها المعدل المنطقي بعد خفض أسعار الوقود.
ويوضح ياسين الشيخ، أحد سكان ريف حمص في حديث لمنصة سوريا 24، واقع التفاوض الفردي القائم حالياً بالقول: “الأمر معقد، فهو يختلف باختلاف نوع المركبة ووجهة التنقل. ففي النهاية، يعود الأمر إلى الاتفاق بين الراكب وصاحب المركبة”.
وتابع: “مثلاً، تبلغ أجرة النقل الداخلي في بلدة تلبيسة ألفي ليرة سورية، بينما ترتفع إلى ثلاثة آلاف ليرة للرحلة من حمص إلى تلبيسة، وتصل إلى خمسين ألف ليرة للرحلة من حمص إلى دمشق”.
المطلوب: تفعيل أدوات تنظيمية حديثة
في المقابل، يرى الناشط المدني والمهتم بالشأن الخدمي في حمص، إحسان أتاسي، أن الحل لا يكمن في الملاحقات الجزئية أو الحملات التفتيشية المؤقتة، بل في إعادة هيكلة القطاع عبر أدوات تنظيمية حديثة، تعيد التوازن بين حقوق المواطنين وواجبات مزودي الخدمة.
ويقول أتاسي في حديث لمنصة سوريا 24: “التقنية هي الحل. فبدلاً من الاعتماد على التفتيش اليدوي أو التوجيهات الشفهية، ينبغي إنشاء أنظمة رقابية مربوطة إلكترونياً بمركبات النقل، سواء في السرافيس أو التكاسي أو النقل العام، بحيث تحدد التكلفة تلقائياً وفقاً للمسافة والزمن، وترسل الفاتورة إلى الطرفين، كما هو معمول به في دول العالم المتقدمة”.
ويفصل أتاسي خطته التنظيمية على النحو التالي:
• إنشاء جمعيات مهنية في كل مدينة تعنى بكل قطاع على حدة: جمعية للتكاسي، وأخرى للسرافيس، وثالثة للنقل العام، بهدف تمثيل المشغلين وتنظيم ممارستهم.
• ربط عدادات المركبات بنظام مركزي تابع للبلديات أو وزارة النقل، يتيح مراقبة فورية لأي تجاوز في التسعير.
• جعل دفع الفاتورة المسجلة إلزامياً، لمنع التلاعب أو الامتناع عن استخدام العداد.
• تفعيل نظام إنذار تلقائي ينبه الجهات الرقابية فور حدوث تجاوزات، ويتيح اتخاذ إجراءات فورية.
ويضيف أتاسي: “هذا النموذج لا يحمي حقوق الراكب فحسب، بل يعزز شفافية القطاع، ويحفظ حقوق السائقين النظاميين، ويحد من المنافسة غير العادلة، ويفتح آفاقاً لتحسين دخل القطاع عبر التوسع المنظم، لا عبر الاستغلال العشوائي”.
تحديات بحاجة لأثر ملموس
غير أن التحدي الأكبر لا يزال يكمن في غياب الإرادة التنظيمية الكافية لمعالجة هذا الاختلال المزمن.
وبالتالي، فإن قرار خفض أسعار الوقود، رغم أهميته الاقتصادية، يبقى دون أثر ملموس على حياة المواطنين، ما لم يصاحبه إجراءات رقابية وتنظيمية سريعة وشاملة، فالمسألة اليوم لم تعد مسألة سعر، بل مسألة ثقة المواطن بأن الدولة قادرة على حمايته من الاستغلال، وضمان حقه في التنقل بكرامة وعدالة.








