محاكمات الساحل العلنية تثير ردود فعل متضاربة بشأن قانونية الإجراءات

Facebook
WhatsApp
Telegram

أثارت جلسات المحاكمة العلنية التي انطلقت أمس في مدينة حلب ردود فعل واسعة في الأوساط الحقوقية والسياسية والشعبية، باعتبارها أول خطوة عملية لإرساء مبدأ علنية القضاء في ملفات الانتهاكات بعد عقود من المحاكمات المغلقة.

وجاء انعقاد الجلسة الأولى تحت رقابة إعلامية وحضور أهالي الضحايا، ليشكّل تحولًا غير مسبوق في علاقة القضاء السوري بالرأي العام ومسار المساءلة.

الإطار التاريخي للعلنية: من ضمانات العدالة إلى رقابة المجتمع

يرتبط مبدأ العلنية بتاريخ طويل يعود إلى القرون الوسطى، لكنه اكتسب شكله الحديث في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر مع توسع الفكر الدستوري الذي اعتبر أن العدالة لا تكون عادلة ما لم تُمارس أمام الناس.

ومع الثورة الفرنسية، نصّ إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 بوضوح على حق الجمهور في حضور المحاكمات، الأمر الذي رسّخ دور العلنية كجدار واقٍ أمام تعسف السلطة.

وفي القرن العشرين، اكتسب هذا المبدأ طابعًا دوليًا بعدما تبناه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، الذي أكد حق كل فرد في محاكمة علنية ومنصفة. ومنذ ذلك الوقت، باتت العلنية أداة لضمان الشفافية وتعزيز الثقة بالقضاء، خصوصًا في الدول الخارجة من النزاعات أو الأنظمة الاستثنائية، حيث تُعد الرقابة المباشرة من الرأي العام والصحافة شرطًا لتصحيح مسار العدالة.

خطوة إيجابية تستدعي الشفافية الكاملة

اعتبر فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تصريحات لموقع “سوريا 24“، أن انطلاق المحاكمات العلنية في حلب يمثّل “خطوة في الاتجاه الصحيح” بعد أشهر من المطالبة بفتح تحقيقات جدية في انتهاكات الساحل.

وأوضح أن لجنة التحقيق اعتمدت على شهادات ووثائق وملفات رقمية جُمعت بطريقة منهجية، ما مكّن من بناء قاعدة أدلة واضحة، مشددًا على أن العلنية شرط أساسي للثقة بالإجراءات القضائية.

ودعا عبد الغني في ختام تصريحه إلى نشر التقرير الكامل للجنة التحقيق، وتعزيز استقلال القضاء، وتمكين المجتمع المدني من ممارسة دوره الرقابي.

انتقادات شعبية ومخاوف من حصر العدالة في ملف واحد

في المقابل، صدرت مواقف غاضبة من ذوي الضحايا وعدد من الناشطين، من بينهم ميساء سعيد التي اعتبرت في منشورات لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن التركيز على محاكمات أحداث الساحل دون فتح ملفات الانتهاكات الأوسع “يمثّل اختلالًا خطيرًا في ميزان العدالة”.

وقالت إن أهالي الشهداء الذين قضوا خلال عقود مضت يطالبون بمحاكمات علنية تشمل جميع المسؤولين عن القتل والتعذيب، محذّرة من أن حصر المحاسبة بملف واحد سيفهم كتجاهل لجرائم الماضي.

في المقابل، اعتبر عدد واسع ممن يُوصفون بمعارضي السلطة الجديدة في دمشق أن ما حصل هو مجرد إجراءات شكلية هدفها تلميع صورة النظام الجديد أمام الرأي العام الدولي.

أدلة رقمية واتهامات متنوعة

شهدت الجلسة حضورًا واسعًا من الصحافيين وأهالي الضحايا، إلى جانب انتشار لقوات الأمن العام حول قصر العدل. وواجه المتهمون تهمًا تتعلق بإثارة الفتنة الطائفية، والسرقة، والاعتداء على عناصر الأمن الداخلي، والتواصل مع ضباط من النظام السابق.

وقدمت النيابة العامة أدلة رقمية جرى استخراجها من أجهزة المتهمين، بينها محادثات وصور وملفات صوتية، واعتُبرت مؤشرات مباشرة على تورط عدد منهم.

وأكد القاضي في بداية الجلسة أن الإجراءات تتم وفق قانون العقوبات العسكري رقم 61 لعام 1950 وقانون أصول المحاكمات الجنائية، مع التشديد على مبدأ العلنية.

بداية مسار قضائي مختلف

وقال المحامي مازن جمعة، وكيل أحد المتهمين، لموقع سوريا 24 إن جلسة الأمس “تمثّل بداية لمسار قضائي جديد طال انتظاره”، خصوصًا بعد سنوات من محاكم أمن الدولة التي كانت تُصدر أحكامها بعيدًا عن الرقابة.

وأشار إلى أن وجود عناصر من الأمن الداخلي والجيش إلى جانب عناصر من النظام السابق في قفص الاتهام يعكس تحولًا في مقاربة العدالة، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة يجب أن تشمل رموز النظام السابق الذين ما تزال بحقهم ملفات لم تُفتح.

توسع مرتقب في المحاكمات

وكانت مصادر متقاطعة في وزارة العدل قد ذكرت أن المحاكمات ستستمر وتشمل أكثر من 560 متهمًا في أحداث الساحل، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بجرائم ارتُكبت خلال السنوات الماضية. كما أكد مصدر حقوقي في دمشق أن لوائح الاتهام المقبلة ستستند إلى اعترافات ووثائق عُرضت في الجلسة الأولى.

الإطار القانوني الناظم

تعتمد المحكمة على قانون العقوبات العسكري رقم 61 لعام 1950، الذي يشدد العقوبات على الجرائم المرتكبة من قبل عسكريين أو من يعملون تحت سلطة وزارة الدفاع، خصوصًا عند استغلال الصفة العسكرية أو ارتكاب أفعال تمس المدنيين.

وتتراوح العقوبات بين السجن المشدد والطرد والتجريد من الحقوق، وصولًا إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام في حال وفاة مدني نتيجة الفعل.

مقالات ذات صلة