تتجه الإدارة الأمريكية نحو اتخاذ خطوة وُصفت بالأكثر تأثيرًا على المسار السوري منذ أكثر من عقد، تتمثل في رفع اسم سوريا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
ورغم أن القرار لم يُعلن رسميًا بعد، فإن المؤشرات الصادرة من واشنطن ومن شخصيات دبلوماسية أمريكية وسورية توحي بأن الخطوة باتت قريبة، وبأنها واحدة من النتائج المباشرة لمسار التقارب بين دمشق وواشنطن خلال الأشهر الماضية.
نقطة تحول تاريخية
السفير بسام بربندي أكد عبر صفحته في فيسبوك أن وزارة الخارجية الأمريكية تستعد لاتخاذ القرار مع بداية الشهر القادم، معتبرًا أن رفع اسم سوريا من القائمة سيكون نقطة تحول تاريخية ستفتح الباب أمام تغييرات واسعة، بعضها فوري وبعضها تدريجي.
أهمية هذا التحول لا تتعلق فقط بإزالة تصنيف سياسي، بل بإسقاط منظومة واسعة من القيود التي كبلت الاقتصاد السوري لسنوات، ومنعت إعادة وصل سوريا بالاقتصاد العالمي.
وفق التقديرات المتداولة، فإن خروج دمشق من قائمة الإرهاب سيتيح عودة الشركات والبنوك الأمريكية للعمل داخل سوريا في قطاعات الطاقة والغذاء والتكنولوجيا والبنية التحتية، كما سيسهل فتح حسابات تجارية وربط البنوك السورية بالنظام المالي الدولي. كما يُتوقع تخفيف القيود على المؤسسات المالية العالمية، ورفع مستوى الائتمان السيادي، ما يتيح عودة التمويل الدولي لأول مرة منذ العام 2011.
إلى جانب ذلك، سيصبح الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر قدرة على الدخول إلى السوق السورية ضمن إطار قانوني واضح، سواء من دول الخليج أو تركيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة، وهو ما يمنح القطاعات الحيوية كالكهرباء والغاز والإعمار فرصة لالتقاط أنفاسها.
انعكاس إيجابي على حياة السوريين
ومن الطرف السياسي، يشير هذا المسار إلى تحسن تدريجي في العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وواشنطن، وعودة مستوى من الاعتراف الدولي بالحكومة السورية الجديدة، الأمر الذي ينهي الضغوط التي واجهتها دول عديدة كانت ترغب بالتعاون مع سوريا.
انعكاسات القرار تمتد أيضًا إلى الجانب المجتمعي والإنساني، إذ سيترجم ذلك بتسهيل حركة السوريين ورجال الأعمال، وتيسير الحصول على التأشيرات، وتوسيع فرص الطلاب والباحثين، إضافة إلى عودة الطيران واتفاقيات النقل.
ويرجح أن ينعكس ذلك إيجابًا على حياة السوريين عبر انخفاض تكلفة التحويلات المالية، وتحسن وصول الأدوية والمعدات الطبية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
فتح الباب أمام الكثير من التسهيلات
الدكتور عبد الرحيم إسماعيل، مدير منظمة “مواطنون” السورية الأمريكية، اعتبر أن التفكير برفع اسم سوريا من القائمة كان حتى وقت قريب خارج أي نقاش جدي في واشنطن، لكن التطورات المتسارعة تشير إلى أن التفاهم بين البلدين تجاوز مرحلة التصنيف السياسي.
وأوضح في حديث لمنصة سوريا 24 أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب وانتقالها من موقع العداء إلى موقع التحالف مع الولايات المتحدة جعل رفع التصنيف أمرًا طبيعيًا في هذا السياق.
ويرى إسماعيل أن إزالة سوريا من القائمة ستفتح الباب أمام تسهيلات واسعة في تعاملات الشركات والوكالات الحكومية الأمريكية مع نظيراتها السورية، وتتيح الحصول على معدات وبرمجيات ذات طبيعة حساسة، إضافة إلى استفادة السوريين من التسهيلات التي تمنحها المؤسسات الأكاديمية والبحثية الأمريكية، ومنح التأشيرات والمنح الدراسية وفرص التعاون العلمي.
رسائل سياسية واقتصادية واضحة
من جانبه، أوضح الدكتور أنس البو، المستشار المختص بالقانون الدولي، أن رفع اسم سوريا من القائمة، إن تم، سيشكل تحولًا كبيرًا في واقع “سوريا الجديدة” التي تتشكل اليوم بعد سنوات الحرب والعزلة.
وأكد في حديث لمنصة سوريا 24 أن التصنيف الأمريكي لم يكن توصيفًا سياسيًا فحسب، بل إطارًا قانونيًا لعقوبات واسعة عطلت الاقتصاد السوري ومنعت الشركات من التعامل معه. وبالتالي، فإن إزالة التصنيف تعني فتح الطريق أمام عودة الاستثمارات والشركات التي كانت تتجنب المخاطرة بالعمل في سوريا.
وأشار البو إلى أن الخطوة تحمل رسالة سياسية واضحة بأن واشنطن باتت تنظر إلى سوريا بمنطق مختلف، وأن مرحلة المقاطعة الشاملة في طريقها للانتهاء. هذا التحول، بحسب رأيه، يمنح سوريا فرصة للعودة إلى الساحة الدولية والإقليمية ضمن بيئة أكثر إيجابية.
أما اقتصاديًا، فمن المتوقع أن يسهم القرار في تنشيط التجارة ودعم مشاريع إعادة الإعمار وخلق فرص عمل، وإن كان ذلك بحاجة إلى وقت وإلى إصلاحات داخلية وتشريعات حديثة، وفق المصدر ذاته.
خطوة في الاتجاه الصحيح
ورغم التفاؤل الحذر، يشدد البو على أن رفع التصنيف لا يعني اختفاء كل العقوبات تلقائيًا، لكنه يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح وفرصة ينبغي استثمارها عبر تعزيز الاستقرار وتحديث الاقتصاد وإدارة المرحلة الجديدة بجدية وشفافية.
في المحصلة، يتعامل السوريون مع هذا التطور بوصفه نقطة انعطاف محتملة في مسار البلاد، وفرصة لإعادة وضع سوريا على سكة التعافي والانفتاح الدولي.
والنجاح في استثمار هذه الفرصة مرهون بقدرة “سوريا الجديدة” على مواكبة التحول، والاستعداد لبناء مرحلة مختلفة تقوم على الحوكمة الرشيدة واستعادة ثقة المجتمع الدولي.








