في محاولة لاستعادة ملامح الحياة إلى بلدة رنكوس في القلمون بريف دمشق، التي عانت خلال سنوات الحرب من قصف ممنهج واقتحامات واعتقالات واسعة، أطلق أبناء البلدة مبادرة أهلية حملت اسم “رنكوس بتستاهل”، بهدف النهوض بالواقع الخدمي والتعليمي والصحي، ومعالجة الدمار الكبير الذي طال البنية التحتية والبيئة والمرافق العامة.
وتعدّ رنكوس من أوائل بلدات القلمون التي خرجت ضد حكم الأسد عام 2011، ما جعلها هدفًا مباشرًا لعمليات عسكرية واسعة تسببت باستشهاد نحو 500 شخص، وتهجير قسم كبير من سكانها نحو الشمال السوري. كما تعرّض سهل رنكوس لتخريب واسع وقطع للأشجار وسرقة للمنازل وردم للآبار، ما أدّى إلى خسارة تُقدَّر بـ 70% من الثروة النباتية، وفق وزارة الزراعة، إضافة إلى تدمير مدارس ومساجد ومنازل بشكل جزئي وكلي.
مشروع تكافلي شامل
الحملة، التي أطلقتها لجنة التنمية في رنكوس، جاءت، وفق المهندس نهاد شاهين مدير الحملة، كاستجابة طبيعية لحجم الدمار وغياب الخدمات الأساسية.
وقال شاهين لـ”سوريا 24”: “حملة رنكوس بتستاهل ليست مبادرة عابرة، بل مشروع تكافلي شامل يشارك فيه أبناء البلدة في الداخل والخارج، بهدف إعادة الحياة إلى رنكوس عبر التعليم والصحة والخدمات والتنمية. إنها رسالة أمل وانتماء بأن رنكوس ما تزال تستحق كل جهد وعطاء”.
أهداف وقطاعات العمل
عملت اللجنة المنظمة على تحديد احتياجات البلدة وتقسيمها إلى أربعة قطاعات رئيسية، تولى كلٌّ منها فريق مختص:
أولًا: التعليم ويشمل:
• صيانة المدارس المتضررة وتأمين التدفئة.
• توفير لوازم تعليمية ورياضية.
• تنظيم فعاليات تربوية على مستوى القلمون.
• تقديم منح للطلاب المتفوقين ودعم المعلمين.
ثانيًا: الصحة ويتضمن:
• تجهيز المستوصف والمخبر الطبي.
• توفير الأدوية للأمراض المزمنة.
• دعم المشفى المدمر وإعادة تشغيله تدريجيًا.
• إنشاء عيادات تخصصية.
• تأمين سيارة إسعاف.
ثالثًا: الخدمات ويركز على:
• حفر وتجهيز آبار مياه الشرب.
• إصلاح الطرقات والعبارات المدمرة.
• إنشاء حديقة عامة للأطفال.
• دعم النظافة عبر شراء سيارة مخصصة وتأمين مستلزماتها لعام كامل.
رابعًا: التنمية
ويهدف إلى دعم المشاريع الصغيرة الزراعية والصناعية، لخلق مصادر دخل للعائلات الأكثر احتياجًا، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي.
هيكلية عمل واضحة وشفافة
تُدار الحملة عبر فريق إداري متعدد التخصصات، إلى جانب لجان فنية لكل قطاع، إضافة إلى فريق إعلامي يتولى التوثيق والتغطية المستمرة. ويشارك في الحملة متطوعون من أبناء البلدة المقيمين والمغتربين، بما يعزز روح التكافل والمسؤولية الجماعية.
ويشير شاهين إلى أن هذا التنظيم “يسمح بقياس الاحتياجات بدقة، وتقدير التكاليف، وتنفيذ المشاريع تدريجيًا وفق الأولويات، مع ضمان شفافية العمل أمام المتبرعين”.
بلدة أنهكتها الحرب
تختزن رنكوس ذاكرة موجعة منذ 2011. فإلى جانب الشهداء والمهجّرين، تسببت العمليات العسكرية بخسارة واسعة في الأراضي الزراعية، وتراجع كبير في موارد المياه بسبب ردم الآبار، فضلًا عن تضرر المدارس والمساجد والمرافق العامة، وانهيار مستوى الخدمات. هذه الظروف دفعت الأهالي إلى تبني مشروع يعيد التوازن لحياة البلدة، ويعالج الفجوات التي خلّفتها سنوات الحرب.
اليوم، تمثل حملة “رنكوس بتستاهل” خطوة عملية لإعادة بناء مجتمع أنهكته الحرب، ومحاولة لخلق بيئة تعليمية وصحية أفضل، وبنية خدمية قابلة للحياة. كما تسعى الحملة إلى تجديد روح الانتماء لدى أبناء البلدة، والإيمان بأن الجهد الجماعي قادر على تحويل التحديات إلى فرص.
ومع انخراط أبناء رنكوس في الداخل والخارج، يأمل القائمون على الحملة أن تكون هذه المبادرة نموذجًا يُعاد تطبيقه في بلدات سورية أخرى، وأن يشكّل العمل الأهلي جسرًا نحو مستقبل أقل قسوة وأكثر قدرة على الوقوف على قدميه.








