في مخيمات ريف إعزاز شمالي حلب، تحوّلت البازارات الأسبوعية إلى مساحة اقتصادية حيوية وبديل شعبي للأسواق الرسمية، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية لسكان المخيمات والقرى المجاورة، وتردي الأوضاع المعيشية مع اقتراب فصل الشتاء. لكن رغم استمرار هذه الأسواق، يشكو الباعة من تراجع في الحركة وضعف الإقبال مقارنة بالسنوات الماضية، ما يعكس الواقع الاقتصادي الهشّ الذي تعيشه آلاف الأسر النازحة.
عبد السلام العلي، بائع جوارب وملابس على بسطة متنقلة، يتنقل بين البازارات في مناطق إعزاز، ويؤكد أن “العمل ضعيف جداً” مقارنة بالمواسم السابقة، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي للناس تراجع بشكل كبير، وأصبح معظم الزبائن بالكاد قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية.
يقول العلي، وهو أب لخمسة أطفال ويسكن في أحد المخيمات: “سابقاً كان الوضع المادي للناس أفضل، أما اليوم فالجميع منهك ويبحث فقط عن لقمة العيش”، وأنّ “الكثافة السكانية في المخيمات انخفضت كثيراً بعد عودة بعض العائلات إلى بلداتهم، وهذا أثّر سلباً على حركة السوق”.
محمود شوبك، بائع إكسسوارات وعطور، يشارك الانطباع ذاته، ويقول لموقع “سوريا 24” إنه يتنقل يومياً بين بازارات باب السلامة، ومريمين، وأطمة، وإعزاز، وسجو.
ويضيف: “الوضع تراجع كثيراً، في السابق كانت الكثافة السكانية تنشّط السوق، أما اليوم فبعد التحرير عاد كثير من الناس إلى منازلهم، وتراجعت الحركة التجارية”.
رغم ذلك، يواصل شوبك العمل لتأمين لقمة العيش لعائلته المكونة من طفلين، موضحاً: “أبيع في بازار سجو وباب السلامة، ونلاحق البازارات يومياً كي نتمكن من تأمين مصروف المنزل، رغم أنني لم أعد بعد إلى منزلي المدمّر”.
ويؤكد أحمد صلاح، بائع على بسطة ألبسة، أنه يحاول الحفاظ على الأسعار ضمن حدود المعقول رغم تقلبات السوق، ويقول لموقع “سوريا 24”: “أسعار البيجامات تبدأ من 59 ليرة تركية وتصل حتى 75، الكنزات الولادية تُباع بـ200 ليرة، أما الكلابيات المخمل فبسعر 250 ليرة تركية، وتتراوح أسعار الجوارب بين 10 و15 ليرة، في حين يصل سعر الجاكيتات الشتوية إلى 250 ليرة”.
ويضيف: “رغم تنوّع البضائع والأسعار، إلا أن الإقبال ضعيف، ومعظم الناس تؤجّل الشراء بسبب الظروف المعيشية الصعبة وغلاء باقي المستلزمات، خصوصاً مع دخول فصل الشتاء”.
من جهة أخرى، يتوجه كثير من سكان المخيمات إلى البازارات كخيار أكثر توفيراً، في ظل تراجع الدخل وارتفاع الأسعار في المحال.
أحمد رسلان، نازح يسكن في مخيم السلامة منذ أكثر من عشر سنوات بعد تهجيره من تل رفعت، يقول: “نأتي إلى البازار لأنه أرخص من المحلات، ونوفّر قدر الإمكان لتأمين احتياجات الأولاد”.
رسلان، وهو أب لأربعة أطفال، يعمل حارساً في منظمة إنسانية، ويضيف: “الدخل لا يكفي لنهاية الشهر، لكن نحاول التكيّف. الحمد لله، الوضع مؤقت لكنه صعب، خصوصاً مع دخول الشتاء وارتفاع مصاريف التدفئة والمدارس”.
محمد يوسف (أبو سامر)، نازح من بلدة ماير، يقول إنه يتسوّق من البازارات لتأمين حاجات منزله، ويوضح لموقع “سوريا 24”: “أنا موظف في وزارة الداخلية، لكن هذا الشهر خُفِّض الراتب، وأصبحت عاجزاً عن تغطية كامل المصاريف”.
ويضيف: “عندي خمسة أطفال وأسكن في خيمة بعدما دُمّر منزلي”، مشيراً إلى أنه بعد دخول فصل الشتاء لا تتوفّر وسائل التدفئة، وأن الشوادر لا تحمي من تسرّب المياه. ويأمل أن تتحسّن الظروف المعيشية للناس في المستقبل القريب.
أمل مستمر رغم التحديات
رغم التراجع في حركة البيع والشراء، تبقى البازارات متنفساً اقتصادياً مهماً في مناطق النزوح، ووسيلة للباعة وأرباب الأسر لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم.
وبين صمود الخيام وصمت الأسواق، تتعالى المطالب بتحسين الواقع الاقتصادي، وزيادة الدعم الإنساني، وتأمين مستلزمات الشتاء، لتجنّب تفاقم معاناة آلاف العائلات التي ما زالت تنتظر العودة أو الترميم… أو مجرد الاستقرار.









