موسم كارثي للزيتون السوري.. تراجع الإنتاج للنصف والفاقد بمئات الآلاف

Facebook
WhatsApp
Telegram

فريق التحرير - سوريا 24

يشهد قطاع الزيتون في سوريا موسمًا يوصف بأنه الأضعف منذ عقود، في وقت ما تزال فيه هذه الزراعة تشكل ركيزة أساسية للأمن الغذائي وللاقتصاد الريفي، إذ تنتشر على مساحة تقارب 650 ألف هكتار، ويبلغ عدد الأشجار أكثر من مئة مليون شجرة من الأصناف المحلية المعروفة بجودتها العالية، مثل الصوراني والزيتي والخضيري.

ورغم أن سوريا كانت قبل الحرب من كبار منتجي زيت الزيتون في حوض المتوسط، بمتوسط إنتاج تجاوز 150 ألف طن من الزيت في سنوات الذروة، فإن موجات الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الهطل المطري، وغلاء تكاليف الخدمة الزراعية، كلها عوامل دفعت موسم 2025 إلى نقطة انهيار واضحة.

 

الغاب… إنتاج يهبط للنصف وحرائق تلتهم عشرات آلاف الأشجار

يقول طلال مواس، مدير مديرية الشؤون الزراعية والوقاية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، إن المنطقة تضم 710 آلاف شجرة زيتون، منها 487 ألف شجرة مثمرة.

ورغم هذه الكثافة، فإن الإنتاج المتوقع لهذا العام بلغ 4190 طنًا فقط، مقارنة بـ10581 طنًا في عام 2024. ويرجع مواس هذا التراجع إلى الظروف الجوية القاسية، والجفاف، وارتفاع الحرارة في فترة العقد، إضافة إلى احتراق 68671 شجرة زيتون خلال حرائق آب، ما تسبب بخسائر مباشرة وهبوط حاد في الإنتاج.

 

إعزاز… رطوبة شحيحة وتقليم خاطئ يضر بالإنتاج

في منطقة إعزاز بريف حلب الشمالي، يصف المزارع خلف محمود خضر الموسم بأنه “الأضعف منذ سنوات”. ويشير إلى أن المناطق التي احتفظت برطوبة جيدة، وتمثل نحو 20% من مساحة المنطقة، أعطت إنتاجًا مقبولًا، بينما بدت الأشجار في المناطق الجبلية والحافة مثمرة ظاهريًا، لكنها شبه فارغة المحتوى من الزيت.

ويؤكد خضر أن التقليم الجائر الذي يمارسه بعض المزارعين أدى إلى ضرر مباشر، إذ تتحول الأشجار إلى نمو خضري يحقق إنتاجًا ثمريًا لا يتجاوز 10%. وزاد الضرر حين انتشرت المخيمات سابقًا بين أشجار الزيتون، ما تسبب بحروق على الأغصان نتيجة انعكاس الضوء عن الخيم، بالإضافة إلى منع المزارعين من حراثة الأرض أو رش المبيدات خوفًا على السكان، بينما لعب الأطفال على الأشجار، ما أدى إلى تشقق اللحاء.

أما تكاليف الإنتاج، فارتفعت بشكل لافت؛ 50% من التكلفة تذهب لأجور العمال والنقل والعصر، و30% للفلاحة والمبيدات والأسمدة، ولا يتبقى للمزارع أكثر من 20%. ويضيف أن 10% من الأشجار اقتُلعت هذا العام بسبب العطب، بينما ارتفعت تكلفة حراثة الشجرة إلى دولار، إضافة إلى غلاء المازوت وجفاف الآبار الذي حرم الأشجار من ثلاث ريات أساسية بين آب وأيلول.

 

عقربات في ريف إدلب… موسم مرهق وأرباح شبه معدومة

يؤكد أبو عبدو، أحد مزارعي قرية عقربات، أن موسم الزيتون الحالي كان “الأكثر إرهاقًا والأقل جدوى اقتصاديًا” منذ أن ورث أرضه، موضحًا أنه يمتلك 20 دونمًا يحتوي كل منها على نحو 40 شجرة زيتون، ويرى أن التكاليف الزراعية التهمت كل ما قد ينتجه من أرباح.

ويشرح أن كلفة فلاحة الدونم تصل إلى 20 دولارًا، وأن سعر شوال الزيتون يبلغ 20 دولارًا، بينما تقتطع المعصرة 5% من الزيت والبيرين. ويؤكد أن كل دونم يحتاج إلى 50 كيلوغرامًا من السماد، فيما تبلغ كلفة رش عشرة دونمات 80 دولارًا. ويشتكي من أن أجرة العامل اليومية تبلغ 250 ليرة تركية فقط (حوالي 6 دولارات)، رغم أن الزكاة أُلغيت هذا الموسم، دون أن يخف العبء المالي عنه.

ويقول إنه كان ينتج عادةً 50 تنكة زيت سنويًا، لكنه لم يحصل هذا العام إلا على 20 تنكة فقط، مشيرًا إلى أن سعر التنكة يتراوح بين 90 و100 دولار، وأن عائلته تستهلك ست تنكات، ليبقى له في نهاية الموسم نحو 800 دولار فقط، رغم أن قيمة أرضه تتجاوز 100 ألف دولار، ليصف الموسم بأنه “الأقل جدوى منذ أن ورث الأرض”.

الرقة… أمطار غائبة ومبيدات ضعيفة وغياب واضح للدعم

تعرضت محافظة الرقة لموجة جفاف حادة وتأخر في هطول الأمطار، ما تسبب بجفاف واسع أثر على نسبة الزيت داخل الثمار. ويشير المزارعون إلى أن غياب الدعم الحكومي والإرشادي زاد من سوء الوضع، خصوصًا في ظل انتشار مبيدات وأسمدة ضعيفة الجودة وغير مراقبة.

وصلت كلفة كيلو “التحويشة” إلى 1100 ليرة سورية، بينما تراوحت أجور العصر بين 30 و40 دولارًا، وسعر تنكة الزيت لم يتجاوز 85 دولارًا. وتشير تقديرات المزارعين إلى أن الإنتاج الزراعي في المحافظة انخفض بنسبة 40%، مع توقعات ألا يتجاوز إنتاج الزيت 2000 طن فقط هذا الموسم. ويجمع مزارعو المنطقة على أن “الظروف المناخية لعبت الدور الأول” في هذا التراجع.

درعا… مزارعون بلا محصول والمعاصر تواجه أثقل موسم منذ سنوات

يؤكد المهندس الزراعي محمد خريبة أن الحقول المروية كانت المصدر الوحيد للإنتاج في درعا، بينما الحقول البعلية كانت شبه معدومة. مزارعون كانوا ينتجون نحو 50 تنكة في الموسم الماضي لم يحصلوا هذا العام على أي إنتاج.

ويشير إلى أن قساوة حبات الزيتون وصعوبات العصر تسببت بأعطال متكررة في المعاصر بسبب الجفاف وارتفاع استهلاك المحروقات.

وتتوالى شهادات المزارعين من نوى وتسيل ومحيطهما لتقدم صورة واحدة: “الشجر عطشان، والموسم ضاع”. يوضح أحد المزارعين من نوى أن الزيتون كان قاسيًا بشكل غير مسبوق، ما أرهق آلات المعاصر. ويضيف آخر من تسيل أن الري كان هو العامل الفارق الوحيد؛ الحقول التي نالت ريتين مبكرتين أنتجت، أما بقية الحقول فانعدمت فيها الثمار.

ويرى المزارعون أن تكاليف العمالة والإنتاج شكلت عبئًا غير مسبوق، حيث تراوحت أجور العمال بين 150 و200 ألف ليرة يوميًا، مع ارتفاع تكاليف النقل والسماد والحراثة. وتسبب انقطاع الكهرباء في ارتفاع كلفة العصر، فوصل سعر التنكة إلى ما بين مليون ومليون ومئة وخمسين ألف ليرة سورية.

وزارة الزراعة: كمية الإنتاج تراجعت للنصف

بعد ما كشفته شهادات المزارعين من مختلف المحافظات عن حجم التراجع وتعدد أسبابه، يبرز التصريح الرسمي لوزارة الزراعة ليقدم الصورة الوطنية الكاملة بالأرقام، ويوضح العوامل التقنية والمناخية التي قادت إلى هذا الانخفاض الكبير في إنتاج الزيتون في سوريا خلال موسم 2025.

تقول عبير جوهر، مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، لموقع “سوريا 24″، إن إنتاج الزيتون لهذا الموسم قُدّر بنحو 412 ألف طن، أي بانخفاض يناهز 45% مقارنة بالموسم الفائت، مشيرة إلى أن محافظة حلب سجلت أعلى كمية إنتاج بحوالي 110 آلاف طن من ثمار الزيتون.

وأوضحت أن ما بين 15 و20% من الإنتاج يُخصَّص لزيتون المائدة، في حين يُوجَّه الجزء الأكبر، والبالغ 80%، لإنتاج الزيت، الذي يُقدّر لهذا الموسم بنحو 66 ألف طن.

وبيّنت جوهر أن الانخفاض الحاد في الإنتاج يعود بالدرجة الأولى إلى تأثير التغيرات المناخية، وفي مقدمتها تراجع معدل الهطول المطري، خاصة وأن 85% من زراعة الزيتون في سوريا بعلية وتعتمد بالكامل على الأمطار.

وأضافت أن ارتفاع درجات الحرارة في الفترات الحرجة من العقد وتطور الثمار أدى إلى تدهور الإنتاج، فيما تسبب الجفاف بنضج قسري للثمار وانخفاض نسبة الزيت داخلها.

ولفتت إلى أن الموسم الحالي يُعد سنة معاومة في أغلب المناطق، وهو ما أسهم بدوره في تراجع الإنتاج، مؤكدة أن قدرة المزارعين على تقديم الخدمات الزراعية اللازمة كانت محدودة، سواء من حيث التسميد أو الري التكميلي أو عمليات المكافحة، وذلك بسبب ارتفاع التكاليف أو عدم توفر المواد اللازمة.

وأضافت أن أشجار الزيتون تعرضت خلال السنوات الماضية لتعديات واسعة من قطع وقلع وحرق في ظل النظام البائد، وقدّر الفاقد في محافظة إدلب وحدها بنحو مليون ونصف شجرة.

ورغم هذا التراجع، توقعت جوهر أن تكون جودة الإنتاج أفضل هذا الموسم، نظرًا لعدم توفر الظروف الملائمة لانتشار ذبابة ثمار الزيتون في معظم المناطق.

لكنها شددت على أهمية اتباع طرق قطاف صحيحة تضمن سلامة الثمار، وقطفها في موعد النضج المناسب، ثم نقلها بسرعة إلى المعصرة، مع ضرورة اختيار المعاصر التي تلتزم بالاشتراطات الفنية للحصول على زيت عالي الجودة، مؤكدة أهمية تعبئة الزيت وتخزينه في عبوات نظيفة ومناسبة، وبعيدًا عن الضوء والحرارة والرطوبة.

وأشارت جوهر إلى أن كلفة إنتاج كيلوغرام واحد من الزيتون تبلغ نحو دولار واحد، موضحة أن تكلفة القطاف وحدها تشكل 40% من مجمل تكاليف الإنتاج، التي تشمل التسميد والتقليم والمكافحة والري التكميلي والنقل والعصر.

وأضافت أن تكلفة إنتاج كيلوغرام واحد من زيت الزيتون تتراوح بين 3.5 و4 دولارات، وهي تكاليف وصفتها بأنها مرهقة للمزارعين في ظل الظروف الحالية.

وفيما يتعلق بالرقابة على المعاصر، أكدت جوهر تشكيل لجنة فنية مركزية برئاسة مكتب الزيتون وعضوية وزارات الاقتصاد والصناعة والإدارة المحلية والبيئة والموارد المائية، لمتابعة عمل معاصر الزيتون ودراسة التقارير الواردة من اللجان الفرعية في المحافظات.

كما توجد لجان فرعية دائمة على مستوى المحافظات، برئاسة شُعب الزيتون في مديريات الزراعة، وبإشراف عضو المكتب التنفيذي المختص بالقطاع الزراعي. وتعمل هذه اللجان على مراقبة الجانب الفني للمعاصر وفق دليل العمل المعتمد بالمواصفة رقم 4083 لعام 2023، إضافة إلى متابعة عمليات التصريف الآمن للمخلفات ومنتجات المعاصر الثانوية.

كما أكدت في ختام حديثها تشكيل لجان فنية لمتابعة عمل المعاصر وفق المواصفة 4083 لعام 2023، مع إعلان الوزارة تقديم 200 ألف غرسة جديدة بالتعاون مع منظمة “أكساد” لتعويض جزء من الخسائر.

موسم الزيتون لعام 2025

يقدم التقرير صورة واضحة عن هشاشة قطاع يعتمد بشكل كبير على الأمطار، ويواجه تكاليف متصاعدة وضعفًا في الدعم الفني والاقتصادي.

ورغم اختلاف تأثير الجفاف بين المناطق المروية والبعلية، فإن النتيجة النهائية واحدة: إنتاج منخفض، تكاليف مرتفعة، ومزارعون منهكون.

ويبدو أن مستقبل هذه الزراعة التاريخية يتطلب تدخلًا حقيقيًا يبدأ بالري التكميلي، وتوفير المدخلات الموثوقة، وتدريب المزارعين، وتأهيل الأشجار المتضررة، لضمان بقاء أحد أهم رموز الريف السوري واقتصاده.

مقالات ذات صلة