الرقة:تعطل معمل السكر يهدّد موسم الشمندر ومعيشة المزارعين

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

يشكّل الشمندر السكري واحدًا من أهم المحاصيل الاستراتيجية في محافظة الرقة، إذ كان تاريخيًا ركيزة أساسية في الدورة الزراعية ومصدرًا رئيسيًا للدخل لدى آلاف الأسر الزراعية. ومع توقّف معمل السكر في الرقة، ثاني أكبر منشأة من نوعها في سوريا بعد معمل الغاب، بات هذا الموسم مهدّدًا بالكامل، ما فاقم الخسائر وأثقل كاهل المزارعين الذين لطالما ارتبطت معيشتهم بعوائد هذا المحصول.

توقّف المعمل عن العمل منذ السنوات الأولى للثورة، بعد تعرّض معدّاته للسرقة والتخريب على يد جهات عسكرية مختلفة، وهو ما أدى إلى شلل إنتاجي كامل وفوّت على المنطقة فرصة الحفاظ على سلسلة التصنيع التي كانت تحوّل الشمندر من محصول خام إلى قيمة اقتصادية عالية.

ومع غياب أي خطوات لإعادة تشغيل المنشأة خلال السنوات الماضية، أصبح المزارعون أمام واقع مرير: موسم بلا معمل، ومحصول بلا سوق، وخسائر تتزايد عامًا بعد عام.

مزارعون لـ”سوريا 24″: دخلنا انهار… والشمندر يُباع كعلف

المزارع محمد العبد من قرية الكرامة قال لـ”سوريا 24″ إن توقف المعمل “دمّر القيمة الاقتصادية للمحصول”، موضحًا: “كان موسم الشمندر السكري بالنسبة لنا فرصة ذهبية لتحسين مستوى المعيشة. بعد توقف المعمل توقفت الزراعة شبه كليًا، ومن يزرع اليوم يضطر لبيع الشمندر بأسعار منخفضة لمربي الأغنام كعلف فقط، بعد أن فقدنا السوق الحقيقي.”

وأضاف محمد أن المزارعين كانوا يأملون أن تعيد الإدارة الزراعية التابعة لـ”قسد” تشغيل المعمل، معتبرًا أن إعادة تفعيله “أمل لكل مزارع ينتظر موسم الحصاد ليؤمّن دخل السنة”، لكنه أكّد: “حتى الآن لم نرَ أي تحرك جدي بهذا الخصوص.”

من جانبه، يرى المزارع عبد الرحمن الكيلاني أن آثار التعطّل لم تقتصر على توقف الإنتاج، بل دفعت كثيرين للتخلي عن زراعة الشمندر نهائيًا. وقال لـ”سوريا 24″: “انتظرنا لسنوات أن تتم إعادة تشغيل معمل السكر، لكن دون جدوى. الجهات المعنية لم تقدّم أي خطوات ملموسة، ما دفع المزارعين للبحث عن بدائل أقل مخاطرة.”

ويتابع الكيلاني: “قدّمنا طلبات متكررة لإدارة الزراعة وشرحنا أهمية استعادة المعمل كي يستعيد الموسم قيمته ويعود بالفائدة على الاقتصاد المحلي. لكن حتى اليوم لم نلمس أي استجابة فعلية.”

أما المزارع سامي الجاسم فيؤكد لـ”سوريا 24″ أن تأثير توقف المعمل تجاوز الجانب الاقتصادي ليصيب المجتمع الزراعي بأكمله: “كان موسم الشمندر يوفّر آلاف فرص العمل، سواء في الحقول أو النقل أو داخل المعمل الذي كان يشغّل مئات العمال. كل تلك الفرص اختفت مع توقف الإنتاج.”
ويشير سامي إلى أن إعادة تأهيل المعمل تحتاج إلى تمويل وجهود كبيرة، لكنه يرى أنها “خطوة لا غنى عنها”: “نحن ندرك حجم التحديات، لكن المعمل يمثل حجر أساس للاستثمار الزراعي في الرقة. من دونه تبقى زراعة الشمندر معطّلة ويستمر استنزاف المزارعين.”

خسائر متراكمة… ومستقبل مجهول للموسم

في ظل غياب منشأة تصنيع قادرة على استيعاب المحصول، فقد الشمندر السكري قيمته التسويقية، وأصبح المزارع يتحمّل تكاليف زراعته دون مردود حقيقي. كما تراجع اعتماد المزارعين على هذا المحصول الذي كان يُعدّ من أساسيات الدورة الزراعية في المنطقة، ما أثر بدوره على بقية المحاصيل وعلى القدرة الإنتاجية العامة.

ويرى خبراء محليون أن إعادة تشغيل معمل السكر لا تعني فقط إنقاذ موسم الشمندر، بل تمثّل خطوة محورية لإحياء قطاع زراعي كامل كان يشكّل جزءًا مهمًا من هوية الرقة الاقتصادية قبل الحرب.

أمل معلق بإرادة التشغيل

يبقى مصير الموسم مرتبطًا بقدرة الجهات المختصة على اتخاذ قرار فعلي بإعادة تأهيل وتشغيل معمل السكر، ما من شأنه إنعاش الزراعة وتشجيع المزارعين على العودة إلى زراعة الشمندر. وحتى يحدث ذلك، سيظل الموسم معلّقًا بين خسائر الحاضر وانتظار مستقبل قد يعيد للرقة جزءًا من مجدها الزراعي القديم.

مقالات ذات صلة