شهدت الساحة السورية خلال الساعات الماضية تطوراً لافتاً، مع إعلان الجيش الأميركي تنفيذ عملية عسكرية مشتركة مع وزارة الداخلية السورية، استهدفت مواقع تابعة لتنظيم “داعش” في جنوبي البلاد.
العملية، التي جرت بين 24 و27 تشرين الثاني، وشملت غارات جوية وعمليات برية دقيقة، دمّرت 15 موقعاً ومستودع أسلحة في ريف دمشق، في خطوة تمثل تحولاً عملياً في مسار التنسيق بين الجانبين بعد سنوات من القطيعة.
القيادة الأميركية الوسطى أكدت في بيانها أن العملية نتج عنها تدمير أكثر من 130 قذيفة مورتر وصاروخ، ومدافع رشاشة، وألغام مضادة للدبابات، وعبوات ناسفة بدائية، إضافة إلى كمية من المواد المخدرة التي كان يُعتقد أنها جزء من مصادر تمويل التنظيم.
وقال قائد القيادة الأميركية الوسطى، الأدميرال براد كوبر، إن هذه العملية المشتركة “تضمن استمرار المكاسب التي تحققت ضد تنظيم الدولة”، مؤكداً أنها تمنع التنظيم من تجديد نشاطه أو تصدير هجماته الإرهابية، وأن القوات الأميركية “ستبقى يقظة” وتواصل ملاحقة فلول التنظيم في سوريا.
الأهمية العسكرية والأمنية للعملية
يصف محللون العملية بأنها من أكثر التحركات المشتركة حساسية وتأثيراً منذ إعلان دمشق، قبل أسابيع، انضمامها إلى التحالف الدولي كشريك رقم 90.
قال ريتشارد وايتز، خبير الأمن والاستراتيجية العسكرية في مؤسسة ويكي ستراد من واشنطن، في حديث لسوريا 24:
“يُظهر الإعلان عن تعاون الجيش الأميركي والقوات الداخلية السورية في القضاء على مستودعات إمداد تنظيم داعش داخل سوريا أن التزام الحكومة السورية بمكافحة الإرهاب، بالشراكة مع القوى الدولية، ليس مجرد موقف سياسي شكلي، بل هو التزام عملي وملموس. ويعكس هذا التعاون أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش يتجاوز الإطار التصريحي، ويُترجم على أرض الواقع في مكاسب أمنية واستراتيجية حقيقية — تنعكس إيجاباً على أمن المواطن السوري، وتعزز فعالية التحالف في تحقيق أهدافه المشتركة”.
من جهته، قال عصمت العبسي، الأكاديمي الخبير العسكري، في حديث لموقع سوريا 24:
“العملية الأميركية–السورية المشتركة في ريف دمشق مهمة لأنها تضعف قدرات تنظيم الدولة بشكل مباشر، وتفتح الباب أمام تحولات سياسية وأمنية جديدة في سوريا، أبرزها تثبيت التعاون الرسمي مع التحالف الدولي ضد الإرهاب، وما يترتب عليه من تداعيات داخلية وخارجية”.
ويضيف العبسي أن استهداف مستودعات الأسلحة — التي احتوت على قذائف هاون وصواريخ ورشاشات وألغام ومواد لصناعة العبوات الناسفة — يشكل ضربة نوعية تقلل من قدرة التنظيم على شن هجمات واسعة أو إعادة بناء خلاياه، مؤكداً أن نجاح العملية ينعكس مباشرة على تعزيز الأمن الداخلي في محيط العاصمة دمشق.
كما شدد على أن قائد القيادة الوسطى الأميركية أوضح أن الهدف هو منع التنظيم من استعادة قوته أو تنفيذ هجمات خارج سوريا، ما يعطي العملية بعداً أمنياً يتجاوز الحدود المحلية إلى المستوى الدولي.
الأبعاد السياسية: من القطيعة إلى الشراكة الأمنية
سياسياً، يرى العبسي أن التعاون المباشر بين واشنطن ودمشق يمثل تغييراً جذرياً في العلاقات بعد سنوات طويلة من الانقطاع، ويقول:
“انضمام سوريا للتحالف الدولي… جاء كترجمة عملية لهذا الانضمام. التعاون المباشر بين واشنطن ودمشق يمثل تحولاً كبيراً بعد سنوات من القطيعة، وقد يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع، خصوصاً في ملف العقوبات الأميركية”.
هذا التحول يمنح الحكومة السورية فرصة لإبراز نفسها كشريك فاعل في مكافحة الإرهاب، بما قد ينعكس على ملف شرعيتها الخارجية، في وقت تسعى فيه واشنطن لإعادة ضبط مقاربتها للملف السوري عبر خطوات تدريجية.
تفسير أوسع للتعاون
من جهته، يربط الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور عبد الرحمن الحاج، العملية بكونها جزءاً من تطور أكبر يشهده المشهد الأمني السوري خلال الأشهر الأخيرة.
وقال الحاج في حديث لسوريا 24: “العملية تعكس التطور في التعاون مع الولايات المتحدة ودول التحالف. عدد العمليات المشتركة الكبير يشير إلى أن هناك ثقة بالحكومة السورية وقدرتها على مواجهة التنظيم. ومن جهة أخرى، فإن الانتقال من الاعتماد على ميليشيات وفواعل ما دون الدولة إلى التحالف مع الدولة، يظهر فرقاً في الأداء. هذا التطور شكل أحد أسباب إشادة الإدارة الأميركية اليوم بالحكومة وتقدمها في المرحلة الانتقالية”.
وتابع:”أيضاً، هذه العملية تعكس التطور السريع في قدرات أجهزة الأمن السورية خلال الأشهر الأخيرة”.
وبهذا الربط، يرى الحاج أن العملية لا تتعلق فقط بتفكيك قدرات التنظيم، بل بمرحلة انتقالية حساسة تتشكل فيها علاقة جديدة بين دمشق والتحالف الدولي، عنوانها الثقة وتغيير أدوات العمل الأمني، والاعتماد على المؤسسات الرسمية بدلاً من المجموعات غير النظامية.
التبعات المتوقعة للعملية
تشير القراءات الأولية إلى أن العملية قد تؤسس لموجة أوسع من التعاون الأمني بين دمشق والتحالف الدولي، وربما تمتد باتجاه ملفات أخرى معقدة، سواء على الحدود السورية–العراقية أو في مكافحة شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بفواعل مسلحة.
ووفق تحليل العبسي، فإن التبعات المحتملة تتوزع على ثلاثة مستويات:
• أمنياً: تراجع قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات كبيرة، مع بقاء خطر الخلايا الصغيرة قائماً.
• سياسياً: إمكانية استخدام دمشق هذه العمليات كورقة في المفاوضات مع واشنطن، خصوصاً في ملف العقوبات الاقتصادية.
• إقليمياً: تعزيز فرص تعاون أوسع في ملفات الحدود والأمن الإقليمي.
تشكل العملية الأميركية–السورية المشتركة ضد مواقع داعش في جنوبي سوريا خطوة تتجاوز حدود العمل العسكري، إلى إعادة تشكيل طبيعة العلاقة بين الطرفين، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التنسيق الأمني والسياسي.
وكما يؤكد كل من العبسي والحاج، فإن هذه العملية تعكس تحولاً استراتيجياً في مكافحة التنظيم، وتطوراً نوعياً في أداء الأجهزة الأمنية السورية، إلى جانب كونها مؤشراً على ثقة متبادلة بدأت تتشكل بين دمشق والتحالف الدولي، بما قد يعيد رسم توازنات مهمة في الملف السوري خلال المرحلة المقبلة.








