كانت السكة الحديدية في مدينة الرقة يومًا واحدًا من أبرز معالمها الحيوية، وشريانًا اقتصاديًا ربط المدينة بمحيطها، لكنها اليوم تحولت إلى مساحة مهملة ومكب مفتوح للنفايات، في مشهد يعكس حجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية خلال سنوات الحرب وما تلاها.
وخلال فترة سيطرة تنظيم داعش على الرقة، تعرضت السكة الحديدية لتدمير شبه كامل، إذ عمد التنظيم إلى تفكيك القضبان وبيعها لتجار الخردة، ما أدى إلى محو أحد الرموز العمرانية والتاريخية للمدينة، وإنهاء دورها كوسيلة نقل استراتيجية.
وخلال سيطرة قوات (قسد) على المدينة، جرى ردم الجسور التي كانت تربط السكة بأحياء الرقة وتحويلها إلى طرق معبدة، في خطوة رآها سكان على أنها إشارة واضحة لغياب أي نية لإعادة إحياء مشروع السكة الحديدية في المدى المنظور.
وفي محاولة لإعادة توظيف المنطقة، أطلقت الإدارة الذاتية قبل عدة سنوات مشروعًا لتحويل حرم السكة الحديدية إلى حديقة عامة، بهدف خلق متنفس بيئي ومساحة خضراء تخدم الأهالي وتعيد الحياة إلى قلب المدينة. إلا أن المشروع لم يستكمل، وتحولت المنطقة مع مرور الوقت إلى مكب للنفايات نتيجة الإهمال وضعف الرقابة، ما تسبب بأضرار صحية وبيئية للسكان المجاورين.
وقال عبد الرحمن العيد، أحد سكان الحي، في تصريح لـ«سوريا 24»: “علّقنا آمالًا كبيرة على مشروع الحديقة، وكنا ننتظر أن تتحول المنطقة إلى مكان نظيف يتيح لنا ولأطفالنا الراحة والتنفس. اليوم نعاني من تراكم النفايات والروائح الكريهة التي تهدد صحتنا بشكل مباشر”.
بدورها، عبّرت نجلاء العبد عن استيائها من الواقع الحالي، مؤكدة لـ«سوريا 24» أن المنطقة فقدت قيمتها بالكامل، وأضافت: “السكة الحديدية كانت مصدر فخر للرقة، أما الآن فأصبحت مكبًا للنفايات من دون أي تحرك جدي لإعادة تأهيلها أو حتى تنظيفها”.
من جهته، لفت الشاب عمر إلى أن المشكلة لا تقتصر على تقصير الجهات الخدمية فقط، بل تشمل أيضًا ضعف الوعي المجتمعي، وقال لـ«سوريا 24»: “هناك أشخاص يرمون نفاياتهم عشوائيًا في المكان، ما يفاقم المشكلة. نحتاج إلى حملات توعية، وتطبيق قوانين تمنع التلوث، إلى جانب دور فعّال للبلدية”.
ويؤكد الأهالي أن استمرار هذا الوضع يتناقض مع الجهود المعلنة لإعمار المدينة وتحسين بنيتها التحتية، مطالبين بتكثيف أعمال جمع النفايات، وتأمين حاويات كافية، وإعادة إحياء مشروع الحديقة الذي وُعدوا به، بما يضمن تحويل المنطقة إلى مساحة بيئية تخدم السكان وتحافظ على هوية الرقة.
وبين ماضٍ كانت فيه السكة الحديدية رمزًا للحياة والحركة، وحاضر يطغى عليه الإهمال والتلوث، تبقى هذه المنطقة شاهدة على الفرص الضائعة، في انتظار خطوات عملية تعيد لها دورها ومكانتها بما ينعكس إيجابًا على جودة الحياة في المدينة.









