بعد مرور عام على التغيرات التي شهدتها محافظة طرطوس وريفها، وما رافقها من ترتيبات أمنية وإدارية، يُسجّل تباين ملحوظ بين تقدم محدود في أداء قطاع الكهرباء، واستمرار أزمات مزمنة في توزيع المياه، خصوصاً في المناطق الريفية، وسط قلق من تعرفة الكهرباء الجديدة وتأثيرها سلباً على ذوي الدخل المحدود.
وسط هذا المشهد، تترافق الإنجازات الفنية، كتوقيع عقد إعادة تأهيل محطة تشرين الحرارية على سبيل المثال، مع مخاوف مجتمعية عميقة تتعلق بعدالة التوزيع، وبقدرة المواطن على تحمّل التكاليف الجديدة.
تحسن في تغذية الكهرباء وقلق من ارتفاع التعرفة
وأجمع عدد من المواطنين في طرطوس على أن واقع التغذية الكهربائية قد شهد تحسناً ملحوظاً مقارنة بالفترات السابقة، لا سيما من حيث تقليص معدل الانقطاعات اليومية.
غير أن هذا التحسن لم يُترجم راحة لدى الفئات الشعبية، إذ يعبر كثيرون عن قلق متزايد من التعرفة الجديدة لفواتير الكهرباء، التي يرون أنها تتجاوز القدرة الشرائية للمواطن العادي في ظل تدني الدخول وارتفاع تكاليف المعيشة.
وحول ذلك قال علي إسكندر، من سكان مدينة طرطوس، في حديث لمنصة سوريا 24: «الكهرباء، وضعها تحسن في طرطوس والريف، ولكن الشعب عموماً يخاف من التعرفة الجديدة للفواتير القادمة، لأنها ثقيلة على كاهل المواطن، ولا تتناسب مع معدل دخله».
من جهته، أكد المستشار القضائي كمال جنيات، في حديث لمنصة سوريا 24، وجود تحسن في الاستقرار الكهربائي، لكنه حذّر من تبعات مالية قد تفقد المواطنين حقهم في الخدمة ذاتها.
وأوضح أنه “بالنسبة للكهرباء، الوضع جيد، قليلة الانقطاع، لكن يوجد تخوف من قيمة الفواتير، وعدم قدرة المواطن على الدفع”.
وأشار إلى أن الحد الأدنى هو ٣٠٠ كيلوواط، حيث يبلغ سعرها حوالي ١٨٠ ألف ليرة سورية، وهذا ما قد يؤدي إلى فقدان المواطن حقه في التغذية الكهربائية.
في المقابل، دعا يوسف جندي، أحد سكان طرطوس، إلى مراجعة جوهرية للتسعير، قائلاً في حديث لمنصة سوريا 24: “بالنسبة للكهرباء، أرى أن يُعاد النظر في قيمة التعرفة، لتتناسب مع معدل دخل الفرد”.
خطوة نوعية في قطاع توليد الكهرباء
وفي سياق الجهود الرسمية لتحسين منظومة الكهرباء، وقّعت المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، في مطلع شهر ديسمبر ٢٠٢٥، عقداً مع شركة “سوبر جينيوس” لإعادة تأهيل المجموعتين البخاريتين الأولى والثانية في محطة تشرين الحرارية، حسب ما أعلنته وزارة الطاقة السورية.
يأتي ذلك في إطار الجهود المبذولة لتعزيز موثوقية المنظومة الكهربائية ورفع كفاءتها الإنتاجية، وفق ما ورد في البيان الرسمي.
وتنص بنود العقد على إنجاز أعمال التأهيل خلال مدة لا تتجاوز ١٤ شهراً. وتعمل المجموعتان اللتان تدخلان في نطاق المشروع على الوقود المزدوج (الغاز أو الفيول)، وتبلغ القدرة الإجمالية المنتجة منهما نحو ٤٠٠ ميغاواط، ما يشكّل دعماً مهماً لقدرات التوليد الكهربائية في البلاد.
وأشارت المؤسسة إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن «خطة شاملة لإعادة تأهيل محطات التوليد، وتحسين واقع الكهرباء، من خلال تنفيذ مشاريع نوعية بالتعاون مع الشركات المحلية والخارجية».
غير أن السؤال الذي يطرحه المواطنون لا يتعلق فقط بحجم الطاقة المنتجة، بل بآليات التوزيع والتسعير: فهل ستصل هذه الطاقة إلى الجميع دون تمييز؟ وهل ستُترجم الزيادة في الإنتاج بانخفاض في الكلفة، أم أن العبء سيتحوّل من انقطاع التغذية إلى «انقطاع القدرة على الدفع»؟
أزمة المياه: غياب العدالة يتفاقم في الريف
وإذا كانت الكهرباء قد سجلت بعض المكاسب، فإن واقع قطاع المياه لا يزال متردياً، وخصوصاً في الريف، حيث تتفاقم أوجه التفاوت في التوزيع، ويزداد استياء السكان من غياب الشفافية والتنظيم.
فقد أكد علي إسكندر استمرار المعاناة، لا سيما في مناطق محددة: “بالنسبة للمياه، فلم تزل المعاناة عند الريف قائمة، وخاصة ريف بانياس. نأمل أن تكون الحلول قريبة”.
بدوره، أشار المستشار كمال جنيات إلى تفاوت صارخ في آلية التوزيع، قائلاً: “بالنسبة للمياه، لا يوجد توزيع عادل للضخ. مناطق تأتيها ٢٤ ساعة، ومناطق يحصل فيها انقطاع غير منظم، ومناطق يأتي الضخ فيها ضعيفاً، مما يجبر المستهلك على استخدام مولدات السحب”.
أما يوسف جندي، فدعا إلى تطبيق مبدأ العدالة والشفافية، مطالباً بتحسين التواصل مع المشتركين: “أرى أن يتم توزيع الانقطاع بالتساوي على المناطق، وإن كان هناك أي إصلاح، يتم إخبار الناس قبله، لأخذ الحيطة وتعبئة الخزانات، وترشيد استهلاكها”.
ويُفهم من هذه الشهادات أن المشكلة ليست فقط في ندرة الموارد أو ضعف البنية التحتية، بل في غياب سياسة توزيع عقلانية وعادلة، تأخذ بعين الاعتبار الكثافة السكانية، والاحتياجات الأساسية، وظروف الفئات الأقل قدرة على التكيّف مع الأزمات، ككبار السن، والأسر الفقيرة، وأصحاب الأعمال الصغيرة المعتمدين على المياه في مصادر رزقهم.
ووسط كل ذلك، وبعد عام من التغييرات التي شهدتها طرطوس وريفها، لا يزال ملف الخدمات الأساسية، خصوصاً الكهرباء والمياه، يشكّل اختباراً حقيقياً لقدرة الإدارة المحلية على تحقيق التوازن بين الإنجاز الفني، وعدالة التوزيع، والاستدامة الاجتماعية، إذ إن الاستثمار في البنية التحتية، وإن كان ضرورياً، لا يُجدي دون ربطه بسياسات تسعير عادلة، وآليات رقابية مجتمعية، وشفافية في التواصل مع المواطنين.








