أم عمار… ذاكرة الرقة التي لا تشيخ

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في أحد أحياء الرقة، يقود عبق البابونج واليانسون الزائر إلى منزل صغير اختارت صاحبته أن تحوله إلى مساحة تحفظ فيها موروثًا شعبيًا عريقًا. هناك تعيش أم عمار، امرأة خمسينية كرست حياتها للحفاظ على طب الأعشاب والخياطة، مهنتين توارثتهما عن والدتها وجداتها، وجعلت منهما هوية وذاكرة لا تنفصلان عن تاريخ المدينة.

لم يكن هذا الطريق خيارًا عابرًا في حياة أم عمار، بل امتدادًا طبيعيًا لتربية نشأت عليها منذ طفولتها، في بيئة كانت فيها النساء مصدر المعرفة والتداوي. وتقول أم عمار في حديثها لـ “سوريا 24” إنها تسلمت هذه المهنة عن والدتها التي أوصتها بالحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال اللاحقة، مؤكدة أن هذا الإرث لا يجب أن ينقطع بوفاة من حمله، بل أن يستمر عبر التعليم والممارسة.

وترى أم عمار أن طب الأعشاب ليس مجرد وصفات علاجية، بل سجل حي لتجربة نساء اعتمدن على الطبيعة وعرفن أسرارها. وتشير لـ “سوريا 24” إلى أن التزامها بهذه المهنة نابع من قناعة راسخة بأهميتها الثقافية والإنسانية، مؤكدة حرصها الدائم على ألا يندثر هذا النوع من المعرفة الشعبية مع تغير أنماط الحياة.

هذا الإيمان دفعها اليوم إلى تكريس جزء كبير من وقتها لتعليم أبنائها وأحفادها أصول المهنة، في محاولة لضمان استمراريتها. فبالنسبة لها، نقل المعرفة هو السبيل الوحيد لحماية التراث الشعبي من النسيان، ومنحه فرصة للبقاء والتطور في آن واحد.

ولا تقتصر قصة أم عمار على طب الأعشاب فقط، ففي زاوية أخرى من منزلها تمتد حكاية الخياطة، المهنة التي تعلمتها منذ صغرها ورافقتها لسنوات طويلة. وتوضح لـ “سوريا 24” أنها عملت في خياطة المفروشات والستائر ومستلزمات المنزل، وجمعت بين الحرفتين لتأمين مصدر رزق لعائلتها، والحفاظ في الوقت ذاته على دور المرأة الإنتاجي في المجتمع.

ومع مرور الوقت، سلمت أم عمار أعمال الخياطة لأبنائها، لكنها لا تزال تشرف عليهم وتتابع تفاصيل العمل، معتبرة ذلك جزءًا من مسؤوليتها في نقل الخبرة، لا الاكتفاء بتوريث المهنة شكليًا.

بين الأعشاب التي تحمل شفاء، والخيط الذي ينسج تفاصيل الحياة اليومية، تصنع أم عمار من منزلها مساحة تربط الماضي بالحاضر. فكل نبتة تحفظها، وكل قطعة قماش تُخاط، تحمل قصة امرأة تمثل صمود التراث النسوي في الرقة في مواجهة التحولات الاجتماعية والاقتصادية.

قصة أم عمار ليست حكاية فردية بقدر ما هي تعبير عن وعي مجتمعي بأهمية الحفاظ على التراث الشعبي، وعن دور المرأة بوصفها حارسة للذاكرة الجماعية. ومن خلال إصرارها على تعليم مهنتيها لأبنائها وأحفادها، تبعث رسالة واضحة مفادها أن التراث الشعبي وقوة المرأة يشكلان معًا أساسًا لمجتمع متجذر وقادر على الاستمرار.

مقالات ذات صلة