تعد ظاهرة نبش القمامة من أكثر المشاهد المؤلمة التي باتت تتكرر يوميا في شوارع وأحياء مدينة الرقة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وازدياد حدة الفقر بين السكان. ومع استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المدينة منذ سنوات، تحول البحث في مكبات النفايات إلى وسيلة اضطرارية لكسب لقمة العيش، لا سيما بين الأطفال والشباب.
وخلال جولات ميدانية ورصد لواقع المدينة، لاحظت سوريا 24 انتشار مجموعات من الأطفال واليافعين يقضون ساعات طويلة في مكبات القمامة بحثا عن مواد قابلة لإعادة التدوير، مثل البلاستيك والمعادن، ليقوموا ببيعها مقابل مبالغ زهيدة تساعدهم في تأمين احتياجات أساسية كالغذاء أو الملبس.
ويعود تفشي هذه الظاهرة، بحسب الأهالي، إلى ارتفاع معدلات البطالة وتراجع فرص العمل، ما دفع العديد من العائلات إلى دائرة الفقر المدقع. هذا الواقع الصعب أجبر بعض الرجال ممن يفتقرون إلى مصادر دخل ثابتة على الانخراط في أعمال غير رسمية وخطرة، من بينها نبش القمامة، في محاولة لتأمين قوت يومهم.
ويقول أحمد الدرويش، أحد سكان مدينة الرقة، في حديثه لـ سوريا 24:
“الوضع صار صعب كتير، كثير من الشباب والأطفال صاروا ينوبوا على القمامة لحتى يلاقوا شي يبيعوه. إحنا رجال وما عنا غير الله وإرادتنا، بس لازم الجهات المعنية توقف معنا وتساعدنا حتى نقدر نحسن حياتنا”.
من جانبه، عبر محمود العبد، وهو رب أسرة يعمل في مهنة البناء، عن ألمه لما يشهده يوميا، قائلا لـ سوريا 24:
“لما بشوف الأطفال عم يفتشوا بالقمامة بتوجعني قلبي. المفروض يكون في فرص عمل أكتر ومشاريع تدعم العائلات، بدل ما نشوف أولادنا بهالوضع. نبش القمامة مو حل، لكن الظروف أجبرتنا”.
بدوره، وصف سامر المريمي، صاحب محل تجاري صغير، الواقع بالمأساوي، موضحا في تصريح لـ سوريا 24:
“نبش القمامة صار ظاهرة عند عدد كبير من الناس، وخصوصا الأطفال اللي عم يشتغلوا بهالطريقة بدون أي حماية أو رعاية. المسؤولية مو بس على جهة وحدة، المجتمع كله لازم يتحرك ويوفر بدائل حقيقية”.
وتؤكد هذه الشهادات أن ظاهرة نبش القمامة في الرقة ليست مجرد سلوك فردي، بل نتيجة مباشرة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي تعيشها المدينة. ويرى مختصون وناشطون أن الحد من تفاقم الظاهرة يتطلب تدخلا جادا من الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني، عبر توفير فرص عمل مستدامة، ودعم العائلات الأشد فقرا، وتعزيز برامج التعليم والحماية للأطفال.
كما يشدد الأهالي على أهمية تطوير برامج رسمية لإعادة التدوير، وإنشاء مراكز مخصصة لجمع وفرز النفايات بطرق آمنة، بما يحد من لجوء الأطفال إلى نبش القمامة العشوائي، ويحميهم من المخاطر الصحية والبيئية التي تهدد حياتهم يوميا.
وفي ظل غياب حلول جذرية حتى الآن، تبقى ظاهرة نبش القمامة في الرقة أحد أبرز التحديات الإنسانية والمعيشية، التي تتطلب تعاونا واسعا بين جميع الأطراف، لضمان حياة كريمة وآمنة لسكان المدينة، وخاصة أطفالها.









