أثار التعميم رقم (17) الصادر عن وزارة العدل جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والإعلامية، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق الطفل ودور الأم في الوصاية، في ظل واقع اجتماعي تغيّر جذريًا خلال السنوات الماضية بفعل الحرب، وما خلّفته من فقدان المعيل، وتشتت العائلات، وازدياد أعداد الأسر التي تعيلها نساء.
ويؤكد التعميم أن الولاية على القاصر تُعد ولاية على النفس والمال معًا، وهي حق وواجب محصور قانونًا بالأب أولًا، ثم بالجد العصبي، ولا يجوز للمحاكم الشرعية تعيين أوصياء شرعيين خاصين لأغراض السفر أو استخراج جوازات وتأشيرات، إلا ضمن ما يحدده القانون صراحة. وبرّرت وزارة العدل إصدار التعميم بالزيادة الكبيرة في طلبات تنصيب أوصياء خلال السنوات الأخيرة، وما نتج عنها من ضغط غير مسبوق على المحاكم الشرعية وتعطيل أعمال قضائية أخرى.
غير أن التعميم، وفق متابعين، صدر بصيغة غير مفسرة، ما فتح الباب أمام تأويلات واسعة وقلق اجتماعي، خصوصًا لدى الأمهات، اللواتي رأين فيه تكريسًا لإقصائهن عن أي دور قانوني في شؤون أبنائهن.
في هذا السياق، توضح نور عويس، باحثة قانونية في مؤسسة “حقي”، أن حالة الجدل لم تبدأ إلا بعد صدور التعميم دون شرح واضح لمقصده. وتقول إن وزارة العدل عادت لاحقًا لتوضيح أن التعميم يقتصر على تنظيم إجراءات استخراج جوازات السفر، ولا يتضمن أي تعديل على مفاهيم الولاية أو الوصاية أو القوامة أو الحضانة، مشددة على أن هذه المفاهيم لا يمكن تغييرها إلا عبر تعديل تشريعي رسمي يمر بمراحل قانونية تشمل الدراسات ومجلس الشعب.
وترى عويس أن الإشكالية الحقيقية تكمن في التناقض بين النصوص القانونية القديمة، التي يعود معظمها إلى قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953، وبين الواقع الاجتماعي الحالي، لا سيما بعد عام 2011، حيث تغيّر موقع المرأة داخل الأسرة السورية نتيجة فقدان الأزواج أو سفرهم أو غيابهم القسري. وتضيف أن التعميم، رغم طابعه الإداري، “فتح جروحًا مؤجلة” وأعاد تسليط الضوء على قوانين لم تعد تعبّر عن واقع آلاف النساء السوريات، داخل البلاد وخارجها.
وتعتبر الباحثة القانونية أن الجدل القائم يشكل فرصة حقيقية أمام النساء والمنظمات النسوية للانتقال من ردود الفعل الإعلامية إلى حوار قانوني جاد مع الدولة حول ضرورة تعديل القوانين، بدل الاكتفاء بالاعتراض على تعميم إداري لا يملك أصلًا صلاحية تغيير التشريعات.
من جهتها، تقول يافا نواف، إعلامية سورية وأم لطفلتين تحتضنهما منذ وفاة والدهما، إن التعميم أعاد التأكيد على شعور متجذر لدى كثير من النساء السوريات بالظلم، معتبرة أن قوانين الأحوال الشخصية تحرم الأم بشكل مباشر من حق الوصاية على أطفالها، حتى في الحالات التي تكون فيها المسؤولة الوحيدة عن رعايتهم.
وتستشهد نواف بآراء قانونية تؤكد أن المطالبات بتعديل القوانين التمييزية ضد النساء، وعلى رأسها قانون الأحوال الشخصية، ليست جديدة، بل تعود لسنوات طويلة. وترفض في الوقت نفسه تبرير هذه القوانين بكونها “مستمدة من الشريعة الإسلامية”، معتبرة أن هذا الطرح يضفي عليها هالة من القداسة تمنع مساءلتها، رغم أنها قائمة على اجتهادات فقهية تاريخية، وُجد بعدها آلاف الاجتهادات المختلفة.
وترى نواف أن جوهر أي قانون يجب أن يكون تحقيق العدالة، مؤكدة أن النصوص التي لا تحاكي واقع المجتمع ولا توازن بين مصالح أفراده تفقد معناها القانوني والإنساني.
وبينما تصر وزارة العدل على أن التعميم رقم (17) إداري بحت ولا يمس جوهر الولاية أو الوصاية، يكشف الجدل المثار حوله فجوة عميقة بين القوانين السارية والتحولات الاجتماعية التي فرضتها سنوات الحرب، ما يعيد فتح ملف إصلاح قانون الأحوال الشخصية، بوصفه أحد أكثر الملفات حساسية وتأجيلًا في سوريا، خاصة في مرحلة انتقالية تتطلب، بحسب حقوقيين، شجاعة تشريعية تضع مصلحة الطفل وحقوق المرأة في صلب أي تعديل قادم.
وتنضم هناء عدنان، أم لأربعة أطفال ومنفصلة عن زوجها منذ نحو عشر سنوات، إلى الأصوات المنتقدة للتعميم، معتبرة أنه يعكس فجوة مؤلمة بين النص القانوني وواقع حياة الأمهات السوريات.
وتضيف أن الأم السورية اليوم لا تطالب بامتيازات إضافية، بل بقانون ينصف دورها الفعلي داخل الأسرة، ويعترف بمسؤوليتها الكاملة عن الأطفال، مؤكدة أن استمرار تجاهل هذا الواقع القانوني يكرّس معاناة الأمهات ويترك الأطفال عالقين بين نصوص جامدة وحياة يومية لا تعترف بها.
وتقول إن حرمانها من حق الوصاية، رغم كونها المسؤولة الوحيدة عن أطفالها منذ سنوات، يمثل ظلمًا مضاعفًا، في وقت لا يلتزم فيه طليقها بأي نفقة أو متابعة لشؤون أبنائه.








