كشف أحمد حافظ، المدير المالي لشركة إعمار الغد، في تصريح خاص لمنصة سوريا 24، عن تطورات لافتة في واقع قطاع الحديد في سوريا بعد التحرير، مؤكدًا أن الإنتاج شهد تحسنًا كبيرًا خلال عام واحد، رغم استمرار التحديات، وفي مقدمتها تحدي الطاقة الكهربائية، الذي يفرض قيودًا مباشرة على تشغيل المعامل بكامل طاقتها.
وأوضح حافظ أن شركتي إعمار الغد لصهر المعادن وفورس ستيل تشكلان منظومة صناعية متكاملة، حيث تختص شركة إعمار الغد بإنتاج الحديد الصلب عبر صهر السكراب باستخدام أفران القوس الكهربائي، في حين تعمل شركة فورس ستيل على درفلة هذا الحديد وتحويله إلى قضبان حديد تسليح جاهزة للاستخدام في السوق المحلية. ويقع معمل الصهر ومعمل الدرفلة بشكل متجاور في مدينة حسياء الصناعية بالقرب من مدينة حمص، ما يساهم في رفع الكفاءة التشغيلية وتقليل الهدر اللوجستي.
وأشار حافظ إلى أن الشركتين تتبعان حاليًا لإدارة الصندوق السيادي السوري، الذي تسلمهما بعد التحرير أواخر عام 2024، عقب خروجهما من الملكيات الخاصة السابقة. وأكد أن الصندوق السيادي أشرف منذ استلامه على إعادة تشغيل المعامل وضمان استمرارية العمل وتحقيق أفضل طاقة إنتاجية ممكنة وفق الظروف المتاحة، مع الحفاظ على الطابع الوطني للإدارة والكوادر.
وبيّن أن الهيكليات الإدارية والقيادات العليا بقيت سورية، فيما كان هناك سابقًا اعتماد جزئي على خبرات أجنبية، قبل أن يعمل الصندوق السيادي على تأهيل الكوادر السورية والاستغناء عن الموظفين الأجانب، بحيث أصبحت إدارة وتشغيل المعامل تتم اليوم بالكامل بأيادٍ وطنية «من الألف إلى الياء».
وفيما يخص الإنتاج، أوضح حافظ أن كميات إنتاج الحديد الصلب تتراوح شهريًا بين 5 و7 آلاف طن، بحسب ساعات التغذية الكهربائية، بينما يتراوح إنتاج حديد التسليح عبر معمل الدرفلة بين 20 و25 ألف طن شهريًا. وأكد أن هذه الأرقام تمثل تحسنًا كبيرًا مقارنة بالسنوات السابقة، إذ تضاعف الإنتاج في معمل فورس ستيل لأكثر من الضعف خلال العام الحالي، ما انعكس بشكل مباشر على ربحية المعمل واستقراره المالي.
ولفت إلى أن الكهرباء تبقى التحدي الأكبر أمام الوصول إلى الطاقة القصوى، إذ يحتاج فرن القوس الكهربائي إلى طاقة تتراوح بين 40 و45 ميغاواط، وهو ما يجعل التشغيل على مدار 24 ساعة أمرًا غير ممكن في الوقت الحالي. وأوضح أن الدولة تخصص برامج تشغيل أسبوعية أو شهرية، يتم من خلالها تحديد أيام وساعات التشغيل، في إطار سعي وزارة الكهرباء إلى توزيع الطاقة المتاحة على مختلف القطاعات الإنتاجية لضمان استمرار النشاط الاقتصادي.
وأضاف حافظ أن الطاقة النظرية للفرن تسمح بإنتاج نحو 600 طن يوميًا في حال التشغيل الكامل، إلا أن الإنتاج الفعلي حاليًا يتراوح بين 400 و550 طن في أيام التشغيل، تبعًا لساعات الكهرباء المتاحة وعدد أيام العمل أسبوعيًا.
وعن واقع السوق المحلية، قدّر حافظ حجم استهلاك السوق السورية من حديد التسليح بما يتراوح بين 60 و80 ألف طن شهريًا، مشيرًا إلى أن البلاد لم تدخل بعد مرحلة إعادة الإعمار الشامل، ما يعني أن الطلب الحالي لا يزال دون مستوياته المستقبلية المتوقعة. وأكد أن فتح باب الاستيراد ووجود منافسة في السوق أسهما في خفض أسعار الحديد بنحو 100 دولار مقارنة بالعام الماضي، دون أن ينعكس ذلك سلبًا على الجودة، التي وصفها بأنها عنصر أساسي لا يمكن التنازل عنه في أي مرحلة من مراحل الإنتاج.
وفيما يتعلق بالعمالة، أوضح حافظ أن المعملين يشغلان نحو 770 عاملًا، وقد شهدت أوضاعهم المعيشية تحسنًا ملحوظًا خلال العام الجاري، مع زيادات على الرواتب، إضافة إلى دراسات مستمرة لتطوير الأجور خلال العام المقبل بما يواكب ظروف السوق.
وأشار إلى أن مرحلة ما بعد التحرير أسهمت في تسهيل سلاسة العمليات التشغيلية، ولا سيما في مجال الاستيراد، حيث أصبح بالإمكان إدخال المواد الأولية والمستلزمات الصناعية مباشرة عبر الموانئ السورية، وعلى رأسها مرفأ اللاذقية، بعد أن كانت تتم سابقًا عبر لبنان وبالتالي ترفع الكلفة وتؤخر الإنتاج.
وأكد حافظ أن أرباح المعامل لم تعد تذهب إلى أفراد أو جهات خاصة، بل تُحوَّل لصالح الصندوق السيادي السوري، وبالتالي إلى خزينة الدولة. ولفت إلى أن الصندوق السيادي لا يقوم حاليًا بسحب أي أرباح من الشركات التابعة له، بل يركز على إعادة استثمار العائدات في عمليات التطوير وإعادة التأهيل، خاصة أن هذه الشركات كانت عند استلامها تفتقر إلى أي أرصدة، سواء من حيث المخزون أو الأرصدة البنكية.
وختم حافظ بالإشارة إلى وجود خطط تطوير وتوسعة مستقبلية لقطاع الحديد التابع للصندوق السيادي، الذي يضم خمس شركات عاملة في هذا المجال، مؤكدًا أن المرحلة الحالية تركز على تثبيت الإنتاج، رفع الكفاءة التشغيلية، وتعزيز دور الصناعة الوطنية في دعم الاقتصاد السوري وتلبية احتياجات السوق المحلية.
يُذكر أن شركتي إعمار الغد وفورس ستيل كانتا مملوكتين سابقًا لرجل الأعمال السوري سامر الفوز، المعروف بقربه من نظام بشار الأسد. وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات على الفوز في منتصف عام 2019، كما أدرجه الاتحاد الأوروبي على لائحة العقوبات مطلع العام نفسه، على خلفية اتهامات تتعلق بدعمه للنظام السوري واستفادته من علاقاته السياسية. وبعد انتقال ملكية الشركتين إلى الصندوق السيادي السوري عقب التحرير، باتت عائداتهما تُدار ضمن إطار مؤسساتي رسمي، وتُوجَّه اليوم لخدمة الخزينة العامة ودعم عملية إعادة تأهيل القطاع الصناعي، في تحول لافت يعكس تغييرًا جوهريًا في مسار إدارة هذه الأصول الاقتصادية.









