جدل الفدرالية يعود مع احتجاجات الساحل وحمص

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

عاد الجدل حول مستقبل شكل الدولة في سوريا إلى الواجهة، مع تزامن مطالبات بالفدرلة مع خروج مظاهرات في محافظات اللاذقية وطرطوس ومدينة حمص، إضافة إلى مناطق أخرى من ريف حماة.

هذه التحركات، التي رفعت شعارات تطالب بالفدرالية إلى جانب مطالب سياسية وخدمية أخرى، فتحت بابا واسعا للنقاش حول مخاطر هذا الطرح، والفروق الجوهرية بين الفدرلة واللامركزية الإدارية، في بلد ما زال يواجه تحديات وحدة الأرض والقرار بعد سنوات طويلة من الصراع.

الفدرالية: من التوحيد إلى التفكيك

يرى الكاتب والباحث السياسي غازي دحمان في حديثه لمنصة سوريا 24 أن الفدرالية، من حيث الأصل النظري والتجارب العالمية، جاءت غالبا نتيجة عمليات توحيد لكيانات أو أجزاء كانت منفصلة، حيث شكلت حلا عمليا لجمع مكونات غير منسجمة ضمن إطار دولة واحدة.

وتابع، غير أن هذا السياق، بحسب دحمان، لا ينطبق على الحالة السورية، التي لم تنشأ تاريخيا من اتحاد كيانات مستقلة، بل كدولة موحدة تعرضت لاحقا لمحاولات تفكيك داخلية وخارجية.

ويحذر دحمان من أن طرح الفدرالية في سوريا، في ظل الظروف الداخلية والإقليمية الراهنة، لا يمكن فصله عن الأهداف المعلنة لبعض الفاعلين المحليين والإقليميين الساعية إلى إنشاء أقاليم منفصلة على أسس طائفية أو عرقية.

ويؤكد أن الفدرالية، في هذا السياق تحديدا، تتحول عمليا إلى المرحلة الأولى في مسار التقسيم، حتى وإن جرى تسويقها تحت عناوين إدارية أو سياسية جذابة.

الالتفاف على الرفض الدولي للتقسيم

ويضيف دحمان أن الفدرالية تستخدم أحيانا كأداة للالتفاف على الموقف الدولي الرافض لتقسيم سوريا بشكل صريح.

فبدلا من الإعلان المباشر عن مشاريع انفصالية، حسب دحمان، يتم اللجوء إلى الفدرالية كصيغة انتقالية، ما يسهل، بعد فترة زمنية قصيرة، ترسيخ واقع التقسيم على الأرض.

ومع مرور الوقت، تتحول الفدرالية إلى حالة انفصال فعلي ونهائي، تحت ذرائع متعددة ومتجددة، غالبا ما تكون جاهزة ومبررة سياسيا، مثل حماية الأقليات أو ضمان الاستقرار أو إدارة الموارد، وفق تعبيره.

اللامركزية الإدارية كبديل أقل خطورة

في المقابل، يميز دحمان بوضوح بين الفدرالية واللامركزية الإدارية والمحلية، معتبرا أن الأخيرة، إذا قامت على أساس إقليمي وتنموي بعيدا عن الانتماءات الطائفية والعرقية، تشكل خيارا أكثر واقعية وجدوى لسوريا.

ويشير إلى أن نماذج ناجحة في هذا المجال موجودة في دول مركزية عريقة، مثل فرنسا، حيث تمنح الأقاليم صلاحيات واسعة في التخطيط والتنفيذ على المستويين الخدمي والاقتصادي، مع بقاء السيادة والقرار السياسي والأمني بيد الدولة المركزية.

ويؤكد أن هذا النموذج يحد من البيروقراطية، ويمنح الإدارات المحلية مرونة وفعالية أكبر في إنجاز الأعمال، ما ينعكس إيجابا على حياة المواطنين، ويخفف من أعباء المركز، دون أن يهدد وحدة الدولة أو يفتح الباب أمام مشاريع انفصالية.

قراءة من داخل المجتمع السوري

من جهته، يوضح المحلل السياسي محمد صالح، وهو من أبناء الطائفة العلوية، في حديثه لمنصة سوريا 24 أن الفدرالية تمنح الأقاليم درجة عالية من الاستقلالية تتجاوز بكثير ما توفره اللامركزية الإدارية.

ويلفت إلى أن اللامركزية الإدارية منصوص عليها في سوريا ضمن قانون الإدارة المحلية رقم 107، وإن كانت تحتاج إلى بعض التعديلات والتطويرات.

ويشرح صالح أن اللامركزية، بصيغتها المطورة، يمكن أن تتيح لكل بلدة أو مدينة انتخاب عمدة أو مجلس محلي خاص بها دون تدخل مباشر من السلطات المركزية، مع منح هذه المجالس صلاحيات حقيقية لإدارة مواردها المحلية.

ووفق هذا النموذج، يمكن للإدارات المحلية أن تمول نفسها، وأن تسهم في الخزينة المركزية من فائض مواردها، أو تتلقى دعما من المركز عند الحاجة، ضمن إطار وطني واحد.

التقسيمات الطائفية والعرقية: الخطر الأكبر

ويحذر صالح من أن الفدرالية المطروحة حاليا في سوريا تعتمد، في جوهرها، على تقسيمات طائفية كما هو الحال في الساحل والسويداء، أو عرقية كما في منطقة الجزيرة السورية.

ورغم الإقرار بوجود تنوع سكاني في هذه المناطق، إلا أن هيمنة خطاب فدرالي تقوده قوى تمثل أغلبيات معينة يجعل خطر الانزلاق نحو التقسيم أمرا أكثر سهولة وواقعية، حسب كلامه.

ويضيف أن خطورة الطرح لا تكمن في الفدرالية كنظرية سياسية فحسب، بل في كيفية تطبيقها على أرض الواقع السوري، حيث تتقاطع الهويات الدينية والعرقية مع مشاريع نفوذ إقليمية ودولية، ما يحول أي صيغة فدرالية إلى مدخل لصراعات طويلة الأمد.

مقالات ذات صلة