Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الضربة الثلاثية تعلنها صراحة.. الأسد باق والكيماوي مسموح أيضاً!

انشغل العالم في الأيام القليلة الماضية بالضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية التي وجهت إلى سورية، واعتبرها الكثيرون حدثاً كبيراً ومنعطفاً عميقاً في تاريخ القضية السورية.

وفي هذا السياق ركزت وسائل الإعلام على حجم الضربة ومدى فاعليتها وقدرتها على تقليص قدرات الأسد الكيميائية، وكل التفاصيل الأخرى التي لا علاقة لها بعمق الموقف الغربي من نظام الأسد، حيث لم يتم التوقف عند دلالة التصريحات الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي سبقت الضربة الأخيرة والتي رافقتها وتلتها.

تلك التصريحات تبدو الأخطر على الإطلاق، وتكشف -بما لا يدع مجالاً للشك- الموقف الغربي الحقيقي من الأسد ومن الضربة التي زعم منفذوها أنها استهدفته أيضاً.

يقول مهندسو الضربة الثلاثية بأنهم يعاقبون الأسد على استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه لتقليص قدراته العسكرية ولكي لا يقوم باستخدام هذا السلاح في “المستقبل”.

ظاهرياً، يبدو هذا الموقف في صالح سورية والسوريين، وهو التفسير الأكثر سطحية وسذاجة لتلك التصريحات التي تضرب في العمق حلم الشعب السوري وطموحه في التحرر والسيادة، فهي تعني مباشرة أن الأسد باق كأمر واقع بدلالة استخدام عبارة “في المستقبل”، وهي رسالة شديدة المباشرة، وتمحو تماماً مع كل ما صدر عن الغرب من مواقف مزيفة ضد الأسد، فإذا صرفنا النظر عن تصريحات أوباما القديمة عن أيام الأسد المعدودة، سنجد تصريحات الإدارة الجديدة ومنذ استلام ترامب رئاسة الولايات المتحدة متركزة على فكرة تم تكرارها كثيراً، وخلاصتها أنه لا مستقبل للأسد في سورية.

ومع تكرار استخدام الكيماوي، تغيرت اللهجة بشكل عميق ليتم الاعتراف صراحة بأن الأسد باق في المستقبل، مع تعهد مائع من الغرب بمنعه من استخدام السلاح الكيماوي ولا شيء أكثر.

لم يعد رحيل الأسد إذن مطروحاً في جدول أعمال القوى الغربية، وكل ما هو مطلوب منه هو ألا يضرب شعبه بالكيماوي مرة أخرى.

وبالمقارنة مع نوعية العقاب، يمكننا ببساطة أن نستنتج مدى تسامح الغرب مع استخدام السلاح الكيماوي نفسه، فالعقاب هو للأداة وليس لمستخدمها، للسلاح ذاته وليس لمن قام بتوجيه ذلك السلاح ضد المواطنين.
وإن أمعنا النظر أكثر، سنجد أن العقوبة لم تطل فعلياً حتى أداة الجريمة، لم يتأذ الأسد من الضربة الثلاثية قيد شعرة، ذلك أكيد وواضح، كما أن السلاح الكيماوي ذاته، والذي جهزت له حاملات الطائرات والبوارج الحربية وصواريخ كروز الذكية و”الجميلة” -حسب تعبير ترامب-، لم يمس بأذى أيضاً.

المسألة هنا تشابه تماماً ما قام به أوباما في العام ٢٠١٣، حيث سامح المرتكب، لقاء تسليم السلاح، ليتبين لاحقاً أن السلاح الكيماوي لا يزال في حوزة الأسد الذي لم يطله العقاب ولم يطل سلاحه الكيماوي أيضاً.
إن إطلاق بضعة صواريخ على أماكن مهدمة أصلاً وخالية تماماً سواء من السلاح ذاته أو من مصنعيه ومستخدميه يعد خدمة كبيرة للأسد، وترسيخاً عميقاً لكل ادعاءاته عن الممانعة والمقاومة وحربه ضد الإمبريالية العالمية.

وإذا كان أقصى عقاب للأسد هو ضرب تلك المناطق الفارغة، فكيف يمكن تصديق ادعاء الغرب بمنعه من استخدام الكيماوي مرة أخرى؟ إن الرسالة الواضحة هاهنا تكشف عن حق الأسد بالبقاء وعن حقه بقتل شعبه بكل أنواع الأسلحة التقليدية، وعن حقه باستخدام الكيماوي أيضاً، أو حتى السلاح النووي إن وجد، مع الاحتفاظ بحق الغرب بإطلاق بضعة صواريخ على مواقع سورية لا تعني الأسد في شيئ.

وإذا كان أقصى عقاب للأسد هو ضرب تلك المناطق الفارغة، فكيف يمكن تصديق ادعاء الغرب بمنعه من استخدام الكيماوي مرة أخرى؟ إن الرسالة الواضحة هاهنا تكشف عن حق الأسد بالبقاء وعن حقه بقتل شعبه بكل أنواع الأسلحة التقليدية، وعن حقه باستخدام الكيماوي أيضاً، أو حتى السلاح النووي إن وجد، مع الاحتفاظ بحق الغرب بإطلاق بضعة صواريخ على مواقع سورية لا تعني الأسد في شيئ.

 

ما يثير السخرية هنا أن تعتبر الإدارة الأمريكية أن ضرب بعض المواقع في سورية وتدمير بعض المباني هو أمر موجع للأسد، رغم أن الأسد نفسه دمر معظم المدن السورية دون أن يرف له جفن، ثم دعا القوى الإقليمية والدولية لتدمر ما تبقى، فهل يعتبر موجعاً للأسد أن يقوم “العدوان الثلاثي” بالمشاركة في تدمير بعض المواقع؟

بعد إطلاق الصواريخ، يخرج المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون لإعلان انتهاء المهمة، فيتساءل السوريون: وما هي نتائج فعلتكم؟ ما الذي تغير أو سوف يتغير في سلوك الأسد الإجرامي؟
ويأتي الجواب من دمشق، من خلال ارتفاع غير مسبوق في مستوى إشهار الخيانة ومن خلال الاحتفاء بنجاة الأسد الذي لم يستهدفه الهجوم أصلاً، يأتي الجواب أيضاً من عواصم عربية أخرى أعطتها الضربة الثلاثية الفرصة كاملة لتعلن تضامنها مع المجرم بعد أن كانت تتضامن معه على استحياء، ولتعيد إلى أسماع السوريين الأسطوانة القديمة عن الإمبريالية والصهيونية، وتعيد إحياء شعارات حزب البعث ويخرج الأسد بطلاً قومياً منتصراً على الغرب!

والسؤال هاهنا: هل باتت أمريكا وحلفاؤها بهذه السذاجة السياسية، هل باتت بهذا الضعف العسكري؟ أم أن السيناريو بأكمله كان مصنوعاً على مقاس النتائج التي يسعى إلى تكريسها، والتي تتضمن إقفال ملف الأسد كمجرم حرب وإنقاذه من المحاكمة والإدانة، واعتماده صورياً كعدو رخو للغرب لمنع الفرصة أمام عدو حقيقي يعي مصالح بلاده ويمنع عنها هذا المصير الذي تشهده سورية اليوم.

لقد بات من الواضح تماماً أن بقاء الأسد هو الهدف الأعلى الذي تسعى أمريكا إليه، فهي تحول كل فرصة سانحة لإزاحته إلى فرصة لتثبيته والتمسك بوجوده، فكل المشاريع التي اتفقت عليها القوى المتعددة التي تحتل سورية اليوم، والقوى التي تريد الانضمام مستقبلاً، تتفق على أن الأسد هو الأداة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق تلك المشاريع بشكل “شرعي”، ولهذا تتكالب الدول على إعادة الشرعية للأسد لكي يكون احتلالها وقضمها لسورية شرعياً أيضاً.