Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

فشل الحل الروسي … تبعاته ونتائجه المتوقعة

مؤتمر سوتشي

أسامة آغي - SY24

ساد اعتقاد لدى قطاعات من مراقبي الوضع السوري ومن الذين لعبوا أدواراً فيه، أن الروس يمتلكون ورقة الحل السياسي في سورية بمفردهم، هذا الاعتقاد ساد بعد إطلاق مؤتمر أستانا متعدد الحلقات، وفي ظل غياب موقف أمريكي حاسم حيال ملف الصراع في سورية وعليها آنذاك، وعزّز من هذا الاعتقاد زيارة الملك “سلمان بن عبد العزيز” ملك السعودية إلى روسيا ودعوة المملكة إلى توسيع قاعدة التمثيل في “الهيئة العليا للمفاوضات” من خلال ضمّ منصتي موسكو والقاهرة إلى هذه الهيئة، ولكن ومنذ البداية غاب عن مراقبي الوضع السوري أن لا حلّ سياسياً في سورية بدون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها على هذا الحل، وهذا ما أدى إلى قراءات خاطئة للوضع السوري لا تستند إلّا على جزءٍ من معطيات الأحداث.

فشل سوتشي يعني فشل الحل الروسي:
في رسالة صوتية وجهها المعارض السوري “ميشيل كيلو” إلى عموم السوريين وإلى رؤساء القبائل والعشائر السورية قال فيها : “ما حدث في سوتشي يتخطى فشل مؤتمر دعت له روسيا إلى فشل الحل الذي كانت روسيا قررت أن تفرضه على السوريين بمفردها”، وتتضح صحة القول بفشل مؤتمر سوتشي من خلال نتائج هذا المؤتمر الذي كان سقف ما استطاع الوصول إليه مجرد توصية غير ملزمة لأحد وجهها إلى الأمم المتحدة، فالمؤتمر لم يتمكن من تنفيذ السيناريو الذي رسمه الروس له، والسبب في ذلك يعود أساساً إلى الحملة الوطنية الكبيرة المقاطعة لهذا المؤتمر، وإلى رفض الهيئة العليا للمفاوضات وعبر تصويت ديمقراطي حضور هذا المؤتمر.

كان الروس يريدون تمرير تعديلات دستورية تُبقي على جوهر النظام الأسدي وتُبقي على رأس النظام في هرم السلطة، لكنّ إرادة السوريين برفض هذا المؤتمر منعه من تحقيق اختراق في صفوف المعارضة السورية الفاعلة فظهر مؤتمر سوتشي وكأنه كرنفال للنظام الأسدي نظّمه للاحتفال بمناسبة خاصةٍ به.

فشلُ سوتشي أتى من عوامل متعددة أهمها قاعدة الرفض الشعبية الواسعة له، وكذلك رفض الولايات المتحدة والغرب حضور أعماله، أما الأمم المتحدة والتي حضرت كمراقب كانت اشترطت للحضور أن يبقى مؤتمر جنيف مرجعاً وحيداً واساسياً للحل السياسي للصراع في سورية وفق القرارات الدولية، وبهذا يمكن القول أن رصاصة الرحمة قد تمّ إطلاقها على الحل الروسي المنفرد.

مجموعة الخمسة واللاورقة :
كان يمكن للروس تجنبُ هذا السقوط المدوي لمؤتمرهم لو أنهم قرأوا جيداً مضمون “اللاورقة” التي أقرّها الحلفاء الخمسة في اجتماع باريس بتاريخ 23/1/2018.

هذه “اللاورقة” نصّت بصراحة على أن، “يعقد مؤتمر سوتشي لمرةٍ واحدةٍ وألّا يكون بديلاً عن مسار جنيف، وأن تحضره الأمم المتحدة والهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، وأن تكون العملية الدستورية والانتخابية بمرجعية الأمم المتحدة وألّا تُشكلَ أيُّ لجنةٍ خارج إطار الأمم المتحدة”.

الروس لم يستطيعوا تجنب هذا السقوط، وأساس ذلك نهج تفكيرهم السياسي القائم على مفهوم “البلطجة” العسكرية والسياسية، لقد ظنَّ الروس أنهم حققوا انتصارات عسكرية على الأرض من خلال إخراج الفصائل من حلب وفرض تسويات محدودة في بعض المناطق على فصائل ومناطق محاصرة، لكنّ الذي غاب عن ذهنهم وحساباتهم أن الأميركيين موجودون على الأرض كقوة عسكرية وسياسية حاسمة حيال حل الصراع سياسياً، كما غاب عن ذهنهم أنّ الشعب السوري قادر على أن يوجد الوسائل المناسبة لمنع الحل الروسي من المرور في سورية.

تبعات ونتائج متوقعة:
إنّ فشل مؤتمر سوتشي بتحقيق الأهداف التي انعقد من أجلها وتحديداً اعتباره بديلاً عن مؤتمر جنيف واستحقاقاته السياسية والقانونية أعاد الروس إلى المربع الأول قبل تدخلهم العسكري في أكتوبر عام 2015، فكل الحصاد العسكري الذي يعتقد الروس أنهم حققوه بفعل غاراتهم المدمرة على مدن وقرى سورية، آل إلى نتيجة الصفر بسبب عدم قدرتهم على توظيف انتصارهم سياسياً، وبالتالي فشلهم في تسويق حلّهم السياسي الذي ينفّذون من خلاله رؤيتهم بإعادة إنتاج نظام الاستبداد والقهر في سورية، لقد فشل الروس في تشكيل وتمرير لجنتيهم المتعلقتين بتعديل الدستور والانتخابات.

هذا الفشل يعني سقوط الحل الروسي صريعاً تحت أقدام الرفض الشعبي السوري الواسع، ويعني أيضاً أن يعيد الكرملين حساباته السياسية على قاعدة (أن الروس ليسوا هم اللاعب الوحيد على مسرح الحدث السوري) وهذا يتطلب من الروس مراجعة لسياساتهم بشكلٍ حقيقي وإقصاءً لطاقمهم الديبلوماسي، الذي قادهم إلى الفشل بسبب غطرسة “لافروف”، على الروس أن يفكروا جيداً هذه المرة أن الطريق إلى حلٍ سياسي للصراع في سورية يمرُّ فقط من خلال قرارات الشرعية الدولية التي هم طرف في التوقيع عليها، وتحديداً بيان جنيف1 والقرار 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، وإبعاد رأس النظام الأسدي وبطانته عن لعب أي دور في حياة السوريين السياسية وفي مستقبل البلاد.