Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

كيف يمضي أطفال الشمال السوري عطلتهم الانتصافية؟

SY24 -خاص

يقف “خالد” بجانب الخيمة بعد أن لبس جزمته السوداء، واحتضن كتابه كطفلٍ صغير، فيديه الباردتين لا يمكنه مسك الكتاب بشكل جيد. يستعد لخوض معركة من الطين وبحيرات الماء التي تشكلت بعد عاصفة مطرية قوية، يجده مرةً يقفز متجنباً بحيرات الماء، وتارة يمشي على رؤوس أصابعه، محاولاً أن لا يتزحلق في الطين وتتسخ ثيابه.

“خالد”، البالغ من العمر 11 عامًا، يسكن مع عائلته في مخيم قريب من الحدود التركية، بعد أن نزحوا من قرية (دير الشرقي) جنوب إدلب. لن يتخلى عن دراسته رغم جميع التحديات. يحدثنا عن قوة إرادته وعزيمة صبره فيقول: “أتعب لأنجح، وأنا قادر على ذلك، رغم كل شيء”.

يصل إلى مدرسته وهي خيمة بداخلها 5 مقاعد وطاولة للمعلم وكرسي، وسبورة وضعت على كرسيين لتكون مرتفعة يرى الطلاب ما يكتب عليها، يجلس في مقعده، وهو ينفخ بين كفيه الناعمين محاولاً تدفأتهما ليستطيع أن يمسك القلم ويكتب إجابته على ورقة الامتحان.

عند سؤالنا عن مكان قضاء عطلته الانتصافية، أجاب: “سأجلس ساعات الصباح الباردة تحت أغطيتي وفي فراشي”، لتنهمر دموعه البريئة على خديه الحمراوتين من شدة البرد، وقال: “سأشبع دفا”.

يعد التعليم حقًا أساسيًا للجميع بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام (1948) واتفاقية حقوق الطفل عام (1989)، إلا أن الحرب والأزمات الإنسانية والفقر جعل هذا الأمر صعب المنال.

لكن “تسنيم”، ابنة 7 أعوام، تسكن في مدينة أريحا، التي فقدت قدمها اليسرى خلال غارة جوية للاحتلال الروسي على منزلها في بلدة (احسم) ودمرت قسماً كبيراً منه، أصرت على أن تدخل المدرسة وتثبت قدرتها على النجاح رغم إعاقتها، تخبرنا كيف ستمضي عطلتها الانتصافية: “سأمنح والدي راحة مؤقتة من مرافقتي كل يوم، وسأرسم بألوان جديدة اشتراها لي أخي الكبير، سأذهب أيضاً لزيارة بيت جدي”.

تشير تقديرات “يونيسف” لعام 2021 إلى أن أكثر من مليوني طفل في سوريا ما يزالون محرومين من التعليم بسبب الحرب المستمرة، وتبعها حالات نزوح، حيث بلغ عدد النازحين الأطفال داخل سوريا نحو 2.6 مليون طفل.

يسرد “عبدالله الصالح”، البالغ من العمر 14 عامًا، قصته بعد أن أصبح يتيم الوالد بقصف قوات النظام على قريتهم (شنان) جنوب إدلب. بقي معيلاً لأخوته الثلاثة وأمه. ظروفه الصعبة حالت دون إكمال دراسته مثل زملائه، اشترى عربة صغيرة يبيع عليها (غزل البنات) أمام باب مدرسة في أريحا، في العطلة الانتصافية، يحتار من أين سيجمع قوت يومه، فيقول: “العطلة مشكلة بالنسبة لي، لكنني سأبحث عن مكان جديد ريثما تنتهي العطلة، فأنا الآن مسؤول عن مصروف عائلة تهمني تأمين مستلزماتها أكثر من أي شيء”.

جرت العادة عند بعض المعلمين المقبلين على الزواج أن يستغلوا هذه العطلة لتكون بدايتها موعد زواجهم. لكن قصة “سحر”، البالغة من العمر 16 عامًا، وهي طالبة في الصف الحادي عشر، من قرية (منطف) جنوبي إدلب، تذهب للامتحان دون تحضير أبدًا. تستعد لاستقبال حياة جديدة وبداية لتكوين أسرة بأول العطلة، تخبرنا عن سبب إقبالها على الزواج بهذا العمر فتقول: “أبي لا يستطيع أن يعيل بتسعة أولاد ونزوحنا المتكرر أصبح مقرفاً جداً، فكان الزواج حلاً للهروب مما أنا فيه”.

يعيش بعض الأطفال في الشمال السوري حياة مستقرة نوعًا ما، ويرجع هذا الأمر إلى الوضع الاقتصادي الجيد لدى الأسرة. “أحمد”، البالغ من العمر 12 عامًا، يدرس الصف السادس بمدرسة المتفوقين في إدلب، ويسكن مع عائلته في المدينة، يذهب بباص المدرسة إلى دوامه كل يوم. يجد ويتعب طوال الفصل حتى يحظى بعلامات مرتفعة يفرح بها والديه، يخبرنا عن مخطط عطلته فيقول: “سأقضي أغلب أيامها بزيارة بيت جدي في القرية، وسألعب مع والدي لعبة الشطرنج، ولن أخرج للحديقة فالجو بارد وأخاف من قصف مفاجئ على المدينة”.

يدرس أطفال الشمال السوري حقوق الطفل في مناهج تعليمية حديثة، التي تعدد حقوق الطفل وحمايته وعدم تعرضه للعنف، في وقت سُلِبت هذه الحقوق منهم قسريًا، حتى فقدوا أبسط الحقوق وهو حق العيش بسلام.