Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الرقة ومعاناة الحياة فيها

بعد أن اعتقلت “قوات سوريا الديمقراطية” القيادي في تنظيم الدولة “داعش”، الفرنسي “أدريان ليونيل غيهال”، والمعروف باسم “أسامة الفرنسي” برفقة زوجته في مدينة الرقة شمالي سوريا، والمتهم بأنه من أعلن عن تبني “داعش” تنفيذ الهجوم الدامي في مدينة “نيس” الفرنسية في شهر تموز- يوليو 2016.

وكان “أدريان ليونيل غيهال” قد حكم عليه سنة 2012 في فرنسا بالسجن مدة أربع سنوات، بتهمة تدبير عمل هجومي ضد بلاده، وذلك قبل أن يفرّ إلى سوريا ثمّ العراق، حيث سيطر التنظيم على أراض واسعة هناك سنة 2014.

وقد نجحت “قوات سوريا الديمقراطية” خلال الأشهر الأخيرة في إيقاف عدداً من المتشددين الفرنسيين الأعضاء في “داعش”، والذين كانوا يعيشون في أماكن متفرقة من مدينة الرقة وريفها.

هذا الاعتقال يشير إلى تحولات في معاملة قوات “قسد” لحلفائها من “داعش” الذين اتفقوا معها على تسلمها المدينة، بعد أن دمرت بنسبة تتجاوز الثمانين بالمئة من مبانيها.

اعتقال “أسامة الفرنسي” يشير إلى وجود صفقة بين “قسد” والحكومة الفرنسية التي أعلنت وقوفها ودعمها للأولى، وتزويدها بالأسلحة التي تحتاجها لإحكام سيطرتها على المدينة.

والمعروف أن قوات “قسد” التي سيطرت على الرقة سمحت للعديد من مقاتلي “داعش” بالانضمام إلى قواتها وقامت بتسليمهم مراكز قيادية، وإطلاق سراح المعتقلين ممن تبقى من قيادات “داعش” ومقاتليها من سجونها.

كل هذا يشير إلى مصير مجهول تنتظره الرقة وأهلها وهم يرون قيادات داعش الذين حكموهم بالحديد والنار يتجولون بحرية في شوارع المدينة التي أغرقوها بدماء أهلها.

وتزامن هذا مع انتشار الشرطة العسكرية التابعة لمليشيات “قوات سوريا الديمقراطية” عند مفرق “الجزرة” غربي مركز مدينة الرقة، وعند حاجز “باب بغداد” شرقي المدينة، وفي بلدة “عين عيسى” وكامل ريف الرقة، واعتقالها عدداً من الشباب من مواليد عام 2000 وما دون، وساقتهم للتجنيد الإجباري، وأرسلتهم لخوض المعارك في أماكن تواجدها في دير الزور والحسكة والقامشلي.

كما أقدم عناصر تابعين لـ “قسد” خلال اليومين الماضين على اقتطاع عشرات الأشجار من “الحديقة البيضاء” في مدينة الرقة لأسباب مجهولة.

واقع معيشي مزري يعيشه سكان الرقة بعد عودتهم إليها في ظل انعدام سبل الحياة فلا وجود للعمل ولا المياه ولا الكهرباء.

المدينة شبه مدمرة، وجثث الشهداء لا زالت تحت ركام البيوت، وكل من حاول ترميم بيته أو إصلاح حائط مهدم لمنزله يبلغ بلزوم هدمه إلا بعد أخذ تصريح من المجلس المحلي التابع لقسد ودفع الرسوم التي تضاعف مأساته.

ومعاناة الأهالي مستمرة منذ أن حجبت الرايات السوداء شمسَ الحرية في سماء مدينة الرقة، فقد عايشوا واقعاً مريراً، حوّل حياتهم إلى كوابيس تتوالى يوماً إثر يوم، وهم اليوم يعيشون خوفاً أكبر يزداد مع رفرفة الرايات الصفراء في فضاء مدينتهم، وتتضاعف خشيتهم لأن الحاضر أسوأ من الراحل، ولا يرون فرقاً بين الرايات، فالاحتلال احتلال سواء كانت رايته سوداء أو صفراء، فكلا الطرفين لا يبالي بما يحدث لأهل الرقة من مآسٍ وويلات، بل كلاهما يعمل على هدف واحد هو التدمير والتخريب والتهجير والسرقة بكل ما أوتي من وسائل وأدوات.

يطلق أهل الرقة النداءات والمناشدات كي لا تتحول القوة التي أعلنت التحرير إلى قوة احتلال تفوق سابقتها وحشية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن قوات “قسد” بعد أن أعلنت تحريرها من “داعش” أكدت أن مستقبل محافظة الرقة سيحدده أهلها ضمن إطار سوريا ديمقراطية لا مركزية اتحادية، يقوم فيها أهالي المحافظة بإدارة شؤونهم بأنفسهم، ولكن كل الممارسات التي حدثت أثبتت استبعاد الميليشيات لأهل الرقة مع الإمعان في التضييق على من عاد مكرهاً، بقصد إرغامه على المغادرة تسهيلاً لفرض سياسة التهجير الديموغرافي للمدينة.

والتحالف الدولي تنصل من مسؤولياته تجاه المدينة التي قام بتدميرها مع الجسور والمرافق العامة والمستشفيات والأفران، بعد أن أعلن مراراً أنه ينوي إعادة إعمارها وتعويض المتضررين من قصفه عليها.

الرقة التي استولت عليها “داعش” عام 2014، كان يعيش فيها نحو 300 ألف مدني، بينهم 80 ألف نازح من مناطق سورية أخرى، ويعاني أهل الرقة من أوضاع معيشية صعبة، نتيجة انقطاع الكهرباء، ونقص المياه، وانعدام الاتصال، وإغلاق المحال التجارية، بخاصة الأفران.

وقدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عددَ من يحتاجون إلى مساعدات في محافظة الرقة بـ “أكثر من 430 ألف شخص”، ودعت المفوضية إلى “تقديم دعم إنساني دائم للوصول إلى عشرات آلاف المدنيين، ممن هم في حاجة إلى مساعدات إنسانية ضرورية”.

وقد دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” التحالفَ الدولي و”قوات سوريا الديموقراطية” إلى “جعل حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان من الأولويات، بعد عملية استرداد الرقة من تنظيم داعش”.

منذ سيطرة تنظيم “داعش” على الرقة، عاش سكانها في خوف دائم من أحكام (الداعشين) المتشددة، وشعورهم بالرعب من الإعدامات الوحشية وعقوبات من قطع الأطراف والجَلد وغيرها من الأحكام التي طبّقها التنظيم على كل من خالف أحكامهم أو عارض حكمهم.

لن تكون الأيام المقبلة أقلّ وطأة على من بقي في الرقة، فالأخبار من داخل الرقة صارت قليلة جداً، ويتحكم بها تنظيم “قسد”، ولا شك في أن هذا الطوق الجغرافي سيضيق تدريجياً في الأيام والأسابيع المقبلة، ويبدو أن أفق المدينة ومستقبلها ليس واضحاً بعد، بسبب وجود مخاوف حقيقية تنبع من كون حزب “بي يي دي” هو القوة الأساسية في القوات التي شاركت في عملية السيطرة على المدينة، وخصوصاً أنه لا يوجد في المدينة أي كادر مدني يمكن الاعتماد عليه، أما المقاتلون العرب فهم من جماعة المرتزقة الملتحقون بـ “قسد”؟فهم لا هدف لهم إلا السرقات والخطف وطلب الفدية.

أقبل رمضان في ظل ظروف أكثر من قاسية على أهل الرقة الذين يعانون من الفاقة والعوز، وإهمال العالم كله، وتركهم لوحدهم في مواجهة مصير مجهول يزداد قسوة كل يوم.