Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

المؤتمر الوطني الواسع ضرورة … وهناك من يعرقله!

المؤتمر الوطني الواسع ضرورة ... وهناك من يعرقله!

الحديث عن الصراع السوري وما آل إليه من نتائج يستحق المراجعة النقدية الشفافة العلنية الواضحة، وأن تتم المراجعة والنقد لكل المراحل التي مرّت بها الثورة السورية في صراعها مع النظام الأسدي الاستبدادي. فليس من المعقول أن تحدث كل هذه الخسارات، وأن تتمّ كل هذه التنازلات السياسية ، دون أن تتقدم مؤسسات المعارضة بنقد حقيقي لما جرى، فمن كان يتابع سلسلة التنازلات بعد شلّ عمل المجلس الوطني وتشكيل “ائتلاف المعارضة”، يستطيع القول بالفم الملآن أن قرار الثورة السورية انتقل من يد السوريين إلى يد أطرافٍ إقليمية ودولية استطاعت أن تسيطر على هذا القرار عبر تمويلها للفصائل والجهات السياسية المعارضة.

إنّ عدم وضع الحقائق الملموسة على طاولة البحث الوطني الواسع، من شأنه تعمية هذه الحقائق وتحويلها إلى شأن خاص بهيئات سياسية غير منتخبة ولا تمثّل الشعب السوري ومعتركه الكبير ضدّ الاستبداد وضدّ التدخلات الأجنبية.

إن وضع الحقائق الملموسة على طاولة البحث، يعني ببساطة الحديث الشفّاف والصريح والمسؤول عن نكبة حلب ونكبات الغوطة الشرقية ودرعا وباقي النكبات ..الخ.

إنّ مناقشة ما آلت إليه مسألة الصراع بين الثورة السورية وأعدائها العلنيين والسرّيين، ليست مهمةً محصورةً بمجموعة سياسية “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”، فهذه المجموعة تستمد شرعيتها من قوى إقليمية ودولية، ولهذا ليس من حقها إدعاء تمثيل السوريين المؤطرين بأحزاب وتيارات سياسية ومنظمات أهلية ولجان شعبية وثورية، وهي كذلك ليست مسؤولية هيئة التفاوض المنبثقة عن مؤتمر الرياض 2، والتي تعتبر نفسها بديلاً عن الشعب السوري وثورته وتضحياته فتتحدث باسمه وتتنازل عن حقوقه.

إن مسؤولية مناقشة ما آلت إليه مسألة الصراع مع النظام الأسدي ومن يقف خلفه صارت مسؤولية كل التيارات السياسية لقوى المعارضة وباقي المنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني واللجان الثورية والشعبية، إضافة إلى مسؤولية الشخصيات الوطنية السورية المستقلة ذات الكفاءة والخبرات.

إن الدعوة إلى مؤتمر وطني شامل لكل القوى التي تدعم تحرير سورية من الاحتلالات وتؤمن في الآن ذاته ببناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية هي مهمة وطنية عاجلة ينبغي أن تتداعى إليها كل القوى التي مررنا على ذكرها من خلال تشكيل لجنة تحضيرية من شخصيات تمثل أوسع طيف وطني سوري، شخصيات مشهود لها بالوطنية الحقيقية وبعدم انخراطها سابقاً في الأطر التي تصدرت الشأن السياسي السوري في المرحلة التي وصلنا في نهايتها إلى هذه الطريق المسدودة.

ويحق للجنة أن تضع جدول أعمالها الشامل الذي يدرس كل مراحل الصراع بين الثورة السورية ونظام الاستبداد الأسدي، وأن تخلص إلى بناء رؤية وطنية ديمقراطية تحررية، تُخرجُ مسار الصراع بين الثورة وأعدائها من صيرورته المفروضة عليه ووضعه على سكة صيرورته الطبيعية الهادفة على انهاء الاحتلالات والاستبداد.

الحديث عن نضال وطني ديمقراطي تحرري يستلزم بالضرورة الربط بين النضال الوطني “طرد الاحتلالات” والنضال الديمقراطي “إزالة الاستبداد”، هذا النضال الوطني الديمقراطي لا ينبغي بأي صورة أن يقبل تمويلاً خارجيا عربياً أو دولياً، وأن يكون له إطار تنظيمي واحد يعمل وفق البرنامج المتفق عليه وعلى أهدافه، هذا الإطار التنظيمي الشامل لحراك السوريين هو إطار يحتاج إلى أدوات عمل سياسية وعسكرية وإعلامية وثقافية واجتماعية.

إن الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني واسع هو مهمة عاجلة يجب اختيار زمانٍ ومكانٍ مناسبين لها ودون السماح بأي تدخلات مهما كانت من قوى تدّعي الصداقة للشعب السوري الجريح.

إن عقد مؤتمر وطني واسع ليس فعلاً ثورياً تخييلياً بل هو فعل واقعي تتطلبه حراجة المرحلة التي تمر بها الثورة السورية، وهذا الفعل يجب أن يستند إلى معرفة علمية صارمة بالواقع وطبيعته، ومعرفة الأعداء وقدراتهم وطرق ووسائل عملهم للتصدي لهم ودحرهم.

هذا الفعل الوطني لن يكون ذا قيمة استراتيجية إذا لم يشمل برنامج انهاض متكامل لكل القوى الصامتة وغير الصامتة الموجودة في الداخل السوري، وتحديداً في المناطق التي يحكمها النظام وتشكّل حاضنته المفترضة وهي في الحقيقة مناطق سورية مغلوبة على أمرها.

إن الانتقال بمهمة طرد الاحتلالات وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية من مربع التنظيم إلى مربع العمل الثوري من شأنه قلب الطاولة على المشروع الروسي الذي يهمه إعادة إنتاج نظام استبدادي يشبه نظام استبداده والسيطرة على سورية وثرواتها ونهبها.

ويبقى السؤال أي القوى الوطنية الديمقراطية ستبادر إلى الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر الوطني الذي ينبغي أن تنتج عنه قيادات منتخبة تمثل السوريين ولا تأتمر بأوامر إقليمية أو دولية مهما كانت درجة صداقتها كما تدعي للشعب السوري.

مثل هذه الخطوة الهامة ستدمر المشروع الروسي وركائزه، وتقلب الطاولة على المشروع الإيراني، الذي يريد تحويل سورية إلى حلقة من حلقات المشروع الإمبراطوري الإيراني المزعوم والذي يعتمد على إخضاع الشعب السوري للسلطة المطلقة “للإمام الفقيه” ولمذهب التشيع.

إن السماح بمرور المشروع الروسي “سوتشي” ، الذي يستند إلى تشكيل ما يسمى لجنة دستورية ، تقوم بكتابة وفرض دستور على الشعب السوري، هو أمر في غاية الخطورة الوطنية، ويجب التصدي له بكل الوسائل، وليس فقط عبر بيانات الاستنكار والشجب.

هذا الدستور الروسي غايته أن يهيئ لبذور الانقسام الوطني السورية وتفتيت الدولة السورية الواحدة وجعلها كانتونات متقاتلة ومتنافسة على الارتباط الخارجي على حساب الارتباط الوطني.