Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

بسبب حذائها.. فتاة سورية تعرضت للاغتصاب في معتقلات النظام

زمان الوصل - SY24

 

تروي هذه الأحداث السجينة السابقة عائدة الحاج يوسف، التي كانت مسجونة مع الفتاة صاحبة القصة…

في سجون الأسد الإجرامية تتشابه اللّحظات، لا تنقضي الدقائق بسهولة، اليوم مُشابهٌ لسابقه، قد تختلف الوجوه، لكن تبقى المعاناة المُتراكمة ذاتها سيّدة الموقف، مع اختلافٍ طفيفٍ بقصص الحرائر المُتشابهة في مضمونها.

بعض الأحداث المؤلمة التي عصفت بي وبنظيراتي السيّدات المُعتقلات راسخة في ذاكرتي لا تغادرها، خاصّةً تلك الساعة المسائيّة كُلّ يومٍ أثناء إحضار سيّدات مُعتقلات من الفروع الأمنية إلى جناح الإرهاب في سجن عدرا، حينها تكون السيّدات كخلايا نحلٍ تبذلن جهودهنّ للتخفيف من آلام الوافدات الجُدد، سيّدة تُسخّن مياه الاستحمام، وأخرى ترتب المكان، وأخرى تُرمّم ما تبقّى من طعام، وسيّدة تبحث هنا وهناك عن ألبسة مُستعملة مُهترئة وغالباً تبذل جهدها دون جدوى.

فتياتٌ بعد رحلةٍ قاتمةٍ في فروع الأمن غادرن جناح الإرهاب في سجن عدرا بسهولةٍ خلال الجلسة الأولى من المحاكمة الخلبية، وأخريات ما زلن حتى يومنا هذا مُنتظرين إخلاء سبيلهنّ أو حسم أمرهنّ.

بعد انقضاء شهرٍ كاملٍ في غياهب ذات الجناح وفي ذات مساءٍ أحضرت الفروع الأمنية نصيب سجن عدرا من السيّدات المُعتقلات، حينها كانت أكثر الوافدات من فرع “الأمن الجوّي”، من بينهنّ فتاةٌ تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، ترتدي “مانطو” أسود، وحجابا أسود، وحذاء أبيض، سمراء البشرة نحيلة وطويلة، تبكي تارةً بقهرٍ وتهدأ تارةً دون سبب، التعب والإرهاق ظاهرٌ عليها، البقع الزرقاء القاتمة تُغطّي كامل جسدها، إضافة إلى آثار الحروق وكبل الكهرباء المُخصّص للتعذيب، وبقعٌ أخرى ذات لونٍ زهريٍ قريبةً من الشّفاء تُوضّح أنّها تعرّضت لتعذيبٍ قاسٍ، لا تتميز بشيء عن غيرها سوى طيبتها وبساطتها غير المحدودتين.

من خلال حديثي معها لغاية التخفيف عنها أخبرتني أنّها مُعتقلة منذ أربعة شهور، أوقفها عناصر الأمن بالقرب من ريف دمشق الشرقي، وكانت ترتدي البرقع قبل أن يُصادروه في فرع الأمن، لم تتلقَّ من التعليم سوى المرحلة الابتدائية، تسألني إن كان النّزيف الحاصل “في أسفل جسدها” يؤثّر على صحّتها، صعقتني حين قالت إنّ أكثر ما كانت تخشاه أن تكون حاملاً بجنينٍ كونها فقدت عذريتها في فرع “الأمن الجوّي” بعد أن اعتدى عليها أحد عناصر الأمن وهو يقول “هيك بدكم انتوا، انتوا وصلتونا لهون، خونة، عملاء”، وأكّدت لي “والحياء يملأ وجهها” أنّ أكثر من عنصر أمن تناوب على اغتصابها بين الفينة والأخرى، وأضافت “أولاد الكلب ما أعطوني مانع حمل، يا خالتي أربع شهور وما تغسلت”، تهرّبت من إجابتها على سؤالها إن كان يتوجب عليها إبلاغ عائلتها بما تعرّضت له من اغتصاب، حينها ارتفع الضغط لدي وغلبني التوتر، كيف لا، والكثيرات من السيّدات المُعتقلات تعرّضن لما تعرّضت له هذه الفتاة وأكثريتهنّ احتفظنّ بهذا السرّ لأنفسهنّ.

كانت بحاجة لتفسير كُل ما تتعرض له، تحت التعذيب أرادوا انتزاع منها اعترافات بمساعدة “المسلحين” وأنّها كانت تتردّد على إحدى مقراتهم السرّية بشكل يومي بالقرب من العاصمة دمشق، لم تعترف بشيء كونها فعلاً بسيطة ولا تدري ماذا يريدون.

بعد أسبوعٍ طُلبت للمثول أمام محكمة الإرهاب، أوقفها القاضي بتهمة مُساعدة المسلحين وتمويلهم، أُعيدت لسجن عدرا مُنهارة الأعصاب صارخةً أخبروني ماذا فعلت؟ لا أحد يا صغيرتي يستطيع إخبارك، فكلّ السيّدات في هذا المكان لا يعلمن سبب اعتقالهن، وغالبيّة التّهم مُزيّفة “إدخال بعض الخبز للمناطق المُحرّرة، علاج الثوار، نقل أخبار، تأمين دواء” هنا يا فتاتي “الحدود الدُنيا من الإنسانية” تهمةً تصل بك لحكم الإعدام الميداني أو الموت البطيء.

حالة تلك الفتاة الفقيرة وعائلتها أبعد عنها “ميريانا” التي ذكرناها سابقا “دجاجة مدير السجن الذهبيّة”، ولم تُلفت انتباهها بشيء، وعملت خلال مدّة اعتقالها في جناح الإرهاب بسجن عدرا بمساعدة السيّدات المُعتقلات المُّقتدرات مادّياً لغاية تحصيل القليل من النقود المُساعدة في تأمين بعض احتياجات مواد التنظيف والمكالمات الهاتفية مع ذويّها.

انقضى شهران ونصف من إيداعها في سجن عدرا حتى فوجئت بقرار إخلاء سبيل مكتوب في سطوره “موقوفةً لتشابهٍ في الأحذية”، مُبرّرين الأمر لذويّها أنّ فتاة تعمل مع “المُسلّحين” كانت تخضع لمراقبة أمنية، وكانت ترتدي حذاءً مُشابهاً تماماً لحذاء الفتاة الضحيّة.

في الوداع كانت آخر كلماتها لي، “بصوتها البريء وتعبيرها البسيط” “لتشابهٍ في الحذاء فقدّت عذريتي وتناوبوا على اغتصابي” تباً لهم، تباً لأحذيتهم.
لم يستطيع عناصر أمن الأسد المُجرمين خلال أربعة شهورٍ كانت خلالها تلك الفتاة تقبع في أقبيتهم “تحت الأرض” من انتزاع أيّة اعترافاتٍ منها، لكنّهم كحيواناتٍ شاردة استطاعوا رغماً عنها نزع أغلى ما تملك الفتاة الشرقية.