Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

حرب الغوطة الشرقية وخفاياها الجيوسياسية

يشن النظام السوري وحليفه الإيراني وبدعمٍ جويٍ وعسكري روسي كبيرين حرباً على الغوطة الشرقية لدمشق، رغم وجود اتفاق خفض تصعيد يشملها وقّعه الروس مع فصائل الغوطة برعاية مصرية، ويتضح من تصريحات ممثل النظام في الأمم المتحدة “بشار الجعفري” التي قال فيها: إن “الغوطة ستشهد ما شهده القسم الشرقي من مدينة حلب”، أي أن الحرب على الغوطة ومدنييها غايتها إخراج فصائل المعارضة المسلحة من هذه المنطقة الحيوية.

هذا هو المعلن على وسائل الإعلام، أما غير المعلن فحرب الغوطة تخفي خلفها صراعاً جيوسياسياً ينبغي تلمسه وتحديده من أجل فهم أبعاد هذه الحرب ونتائجها اللاحقة.

اللعبة الروسية عند حافة الهاوية:
الإصرار الروسي الذي عبر عنه “سيرجي لافروف” وزير الخارجية الروسية بضرورة إنهاء الوجود العسكري لفصائل المعارضة المسلحة في الغوطة ثم في حوران، يكشف عن جملة أمور مترابطة، فالروس حاولوا عبر جلسات “آستانة” المتعددة ثم في “سوتشي”، تمرير أجندتهم السياسية لحل الصراع في سورية، وحين فشلوا في ذلك لجأوا إلى الحسم العسكري اعتقاداً منهم أنهم قادرون على تكرار سيناريو القسم الشرقي لمدينة حلب، لجوء الروس إلى الحسم العسكري معناه انخفاض توقعاتهم من قدرتهم على إبقاء الورقة السورية بيدهم، وتحديداً بعد اهتزاز صورتهم العسكرية بعد هجمات طائرات “الدرونز” على حميميم وإسقاط طائرة السوخوي فوق إدلب بصاروخ محمول على الكتف، إضافة إلى الجانب السياسي الذي بلورته الولايات المتحدة عبر “اللاورقة” ذات النقاط الخمس والمتضمنة انتقالاً سياسياً وفق القرار الدولي 2254 وبدون أي دور لرأس النظام الأسدي وبطانته.

لجوء الروس إلى الحسم العسكري يعني انحيازهم للتحالف وتقاسم النفوذ مع الإيرانيين في هذا البلد، ويعني أيضاً احتمال قيام حرب محدودة على الأرض السورية بين طرفي الصراع الدوليين.

إن ذهاب الروس إلى النهاية في الحسم العسكري يعبر عن رهانهم باللعب عند حافة الهاوية ضد الولايات المتحدة ودول الإقليم وأوربا، مما يضع هذا الحسم في مدار الربح والخسارة، فإذا انتصر الروس في الغوطة وحوران سيتابعون مسلسل الانتصارات في الرقة ودير الزور وغيرهما، وهذا يعني بوضوح صراعاً محتوماً بينهم وبين الأمريكيين.

الخفايا الجيوسياسية للصراع:
لا يتعلق التدخل العسكري الروسي في سوريا بحماية النظام فحسب، بل يتعداه إلى أمور متعددة لا تظهر في واجهة الصراع، فالروس الذين يمتلكون أكبر مخزون عالمي للغاز الطبيعي يصرون على بقاء حصتهم عند حدود ربع ما تحتاجه القارة الأوربية على الأقل، وهم بذلك يذهبون بعيداً في صراعاتهم من أجل الحفاظ على مصالحهم كي لا يقع الانهيار الاقتصادي مرة ثانية، مثلما حدث مع سلفهم “الاتحاد السوفياتي”.

لا يتعلق التدخل العسكري الروسي في سوريا بحماية النظام فحسب، بل يتعداه إلى أمور متعددة لا تظهر في واجهة الصراع، فالروس الذين يمتلكون أكبر مخزون عالمي للغاز الطبيعي يصرون على بقاء حصتهم عند حدود ربع ما تحتاجه القارة الأوربية على الأقل، وهم بذلك يذهبون بعيداً في صراعاتهم من أجل الحفاظ على مصالحهم كي لا يقع الانهيار الاقتصادي مرة ثانية، مثلما حدث مع سلفهم “الاتحاد السوفياتي”.

 

هذا الأمر يظهر لدى الإيرانيين والذين وقعوا اتفاقاً في 25/7/2011 مع النظام الأسدي لنقل الغاز من حقولهم في الخليج العربي إلى سوريا عبر العراق للتصدير إلى أوروبا.

وكذلك حاول القطريون مدَّ أنبوب غاز إلى سوريا لتصدير غازهم إلى أوربا، هذا يوضح أن الجغرافية السياسية لسوريا هي جغرافية ذات قيمة وتأثير سياسيين كبيرين على دول الإقليم والدول الكبرى، فسوريا بوابة حقيقية لأوربا نحو الشرق الأوسط وهي بوابة الشرق نحو أوربا أيضاً.

هذه الحقائق تكشف سرّ الإصرار الروسي والإيراني في الحرب على الغوطة الشرقية، فكسر إرادة الثوار في الغوطة يعني بصراحة بدء سلسلة انهيارات متتابعة ستحسم الصراع العسكري والسياسي لمصلحتهما، ولكن هل يقبل الأمريكيون والغرب وبعض دول الإقليم الفاعلة أن يتسع النفوذ الروسي والإيراني على حساب مصالحهم؟ أم أن إدارة الصراع تقتضي استنزافاً دموياً مريراً عند حدود الغوطة الشرقية لكل من النظام والحلف الإيراني والروسي؟.

صمود الغوطة ضرورة تاريخية:
يبدو أن قدر الغوطة الشرقية أن تتحمل أشدّ أنواع الحروب منذ بداية الثورة السورية، فالغوطة الشرقية ومنذ مطلع شباط عام 2017 وهي تتعرض للقصف ومحاولات الاقتحام من قبل النظام الأسدي وحلفه الإيراني الشيعي، ويلجأ النظام الأسدي وحلفاؤه إلى قصف الحاضنة الشعبية المدنية بوحشية كي يجبروا فصائل المعارضة المسلحة على الخروج من الغوطة كما حدث في حلب، لكن الرد الشعبي كان واضحاً غبر مظاهرات عارمة رفضت خروج الفصائل، وهذا يكشف أن ما تمتاز به الغوطة من أجل صمودها هو أنها منطقة زراعية تؤمن الغذاء لسكانها إضافة إلى وجود آلاف المقاتلين المدربين والمجهزين بأحدث أنواع الأسلحة الثقيلة القادرة على سحق أي هجوم.

صمود الفصائل المقاتلة بوجه هذه الحرب يعتبر مؤشراً كبيراً على فشل المشروع الروسي الإيراني بضرورة فرض الواقع من خلال الحسم العسكري، وهو مؤشر على اقتراب الحل السياسي وفق التصور الأمريكي الذي أعلنته الولايات المتحدة عبر”لا ورقتها” المشهورة والذي يتضمن انتقالاً سياسياً في سورية وفق القرار 2254.

إن قدرة فصائل المعارضة المسلحة على صدّ العدوان على الغوطة، إضافةً إلى التفاف الشعب السوري في كل أماكن وجوده حول هذه الفصائل والعمل على نصرتها وفضح الدور الروسي والإيراني في هذا العدوان، يعني ببساطة أن اتجاهات الصراع السياسي على سوريا وفيها ستذهب بحسابات الروس الجيوسياسية إلى الغرق في الجغرافية السورية، وهذا على ما يبدو ما يريده الأمريكيون والغرب وبعض دول الإقليم الهامة، وإن كان ذلك على حساب دم الشعب السوري، الذي ابتلي بفظاعات لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.