Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

للمرة الأولى.. شهادات ترويها سوريات تزوجن من أجانب “داعش”

خاص - SY24

في شمال شرقي سوريا، بين تضاريس البادية المترامية وعلى امتداد حدودها، يقبع خلف أسوار السجون آلاف الرجال ممن كانوا في صفوف تنظيم “داعش” سابقا، بينما يطوي سجل النسيان نساءهم وأطفالهم في مخيمات أشبه بسجون من القماش الأبيض المحاط بالأسلاك الحديدية.

بعد مضي أكثر من ثلاثة أعوام على هزيمة “داعش” من آخر معاقله في ديرالزور، واحتجاز ما تبقى من عوائلهم في مخيمات “الهول” المؤقتة، مازال هول عوائلهم يشكل ارتباك للعالم، هكذا بدأت حديثها إحدى الناشطات من داخل المخيم في لقاء خاص لها مع منصة SY24.

وأضافت الناشطة أن “عشرات آلاف العوائل السورية ممن ينتمون للتنظيم تطرح تحدياً هائلاً في شمال شرقي سوريا، فمنذ أكثر من عامين تقوم قوات سوريا الديمقراطية باحتجازهم داخل مخيمات تبدو بأنها مؤقتة، ومعظمهم من النساء اللواتي عملنا في شرطة الحسبة سابقاً، وغالبية أطفالهن ممن قاتلنا تحت راية أشبال الخلافة، أما النساء الباقيات فكنّ مجرد زوجات وأمهات وربات منازل، ولكن النساء في مخيم الهول لسنا مجموعة واحدة متشابهة، بل إنهن من خلفيات وإنتماءات مختلفة، وعدد كبير منهن التحق بالتنظيم بسبب سوء الإدراك أو الظروف أو بفعل الإكراه”.

وزادت قائلة: “قد يكون مشروع الخلافة المزعومة قد دخل طي النسيان، وأن مقاتيله قتلوا أو اعتقلوا، إلا أن الكثيرات من النساء المقاتلات أو زوجات المقاتلين بصفوف هذا التنظيم والموجودات في المخيم، مازلن يؤمن بإيديولوجية التنظيم وأفكارهن لم تتغير”.

مع ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية مؤخراً  في المنطقة، بين قوات قسد ودول الجوار، والضغوطات الممارسة من قادة العشائر، والظروف المعيشية غير الملائمة في المخيمات وتدني الخدمات فيها، عمدت السلطات المحلية في المنطقة إلى التسريع بالإفراج عن أفراد أسر المقاتلين السورية.

وحول هذا السياق يقول “أحمد”: “أعمل منذ ثلاثة أعوام مع أحد المنظمات الدولية العاملة على مناصرة قضايا الفئات المستضعفة في الصراع، من خلال عملنا في المخيمات نعمل على تأهيل النساء وأطفالهن من أجل إعادة اندماجهم بالمجتمع، إلا إننا نجد أن غالبية المجتمعات التي يرسلون إليها غير جاهزة، وفي معظم الأحيان غير راغبة في مساعدتهم بسبب انتماءاتهم السابقة”.

وأشار “أحمد” إلى تضاؤل قدرة قسد في التعامل مع إعادة دمج آلاف المعتقلين بالمجتمع , وإنها في الوقت نفسه تضع شروط محكمة على المنظمات غير الحكومية والتي لا تمكنهم من تقديم المساعدة الضرورية للمحتجزين المفرج عنهم.

“أم عمر” محتجزة خرجت مع الرحلة 19 من مخيم “الهول”، والتي خرج بموجبها نحو 74 شخصاً متجهين نحو مناطقهم من الريف الشرقي في ديرالزور، وتحديداً بلدة الباغوز وهجين والسوسة، بعد سنوات من تواجدهم في المخيم، وذلك ضمن مبادرة العشائر بالاتفاق مع قوات قسد لإفراغ المخيم من عوائل السوريين الراغبين في الخروج.

تقول السيدة لمنصة SY24: “تزوجت من مقاتل عربي بعد أن أجبرني والدي على الزواج منه طمعاً بالمال، استمر زواجنا 10 أشهر قبل أن يقتل في معارك الباغوز الأخيرة، بقيت طوال مدة زواجي منه لا أعلم عنه شيء سوى اسمه، ولأسباب أمنية كنت أجبر على عدم مناداته به، الآن أنا مع طفلي الذي أنجبته بعد وفاته بفترة قصيرة، سأبقى أدفع ثمن قرار والدي الخاطئ طول عمري، كنت أحلم بحياة أسرية جميلة ككل الفتيات، ولكن هذا لم يحدث لحظي العاثر”.

وأضافت أن “فرحة خروجي من المخيم لا تتجاوز أسلاكه الحديدية، فأنا لا أعلم ما ينتظرني خارجه، وهل سيتقبلني المجتمع وطفلي دون النظر إلينا بنظرة دونية”.

في ظروف مشابهة للكثير من زوجات المقاتلين، تجهد “سعاد” بالعمل في الأراضي الزراعية في الريف الشرقي من ديرالزور، بعد مقتل زوجها جراء غارة جوية على النفق الذي كان يقيم فيه.

تقول “سعاد”: “أجبرت على العمل للإنفاق على أطفالي وتأمين لقمة العيش لهم، بعد أن أصبحت بدون سند أو معيل”.

وأضافت “لم أكن أتوقع يوماً أن أتزوج من مقاتل أجنبي، لكن النمطية التي ينظر بها مجتمعنا للمرأة وخصوصاً التي تجاوزت الـ 30 من عمرها، والتي أصبحت عانسا كما يصفونها دفعتني وأهلي للإقدام على هذه الخطوة، وكان حينها أفضل الموجود”.

وأوضحت في حديثها، “لم أكن أعلم شيئاً عن زوجي سوى أنه مقاتل قدم من أوزبكستان ليقاتل مع جبهة النصرة ومن ثم بايع تنظيم داعش، طوال هذه الفترة لم أتمكن من معرفة نسبه الحقيقي أو أي شيء عن حياته الشخصية رغم أن زواجنا دام أكثر من خمس سنوات، إلا إنه كان قلما يحدثني عن أموره الشخصية وأهله، ويغضب حين أكرر عليه بالسؤال”.

في السابق، تزايدت ظاهرة زواج السوريات من المقاتلين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا مع اندلاع الاحتجاجات وتحولها إلى العمل المسلح لقتال النظام برفقة تنظيماتهم، خصوصاً بعد سيطرتهم على مناطق واسعة من مختلف المحافظات، مخفين أسماءهم الحقيقية خلف أسماء وهمية، ما يجعلهم وأطفالهم مجهولي النسب والهوية.

لم يستمر زواج الشابة “سهى” من مقاتل تونسي سوى ستة أشهر، ثم انقطعت أخباره، ولا تعرف عنه سوى أنه من تونس ويكنى بـ “أبو سراقة المهاجر”، جاء إلى سوريا للقتال “داعش”، وحين خروجه في مهمة إلى مدينة “الشدادي” اختفت أخباره ولم يعد.

تقول “سهى”: “خوفاً من لوم المجتمع لي ونظرته السلبيه بعد اختفاء زوجي، فقد قررت حينها الانضمام إلى صفوف التنظيم والتنقل مع النساء، ولأن الشرع لا يحلل سفر المرأة وبقائها من غير محرم، ارتبطت مرة أخرى بمقاتل مصري، قتل أيضاً في معارك الباغوز الأخيرة لأبقى وحيدة وأسلم نفسي للأكراد حينها”.

وأضافت أن “اليوم لم أجد طريقة لخروجي من المخيم إلا عن طريق الزواج من جديد، هناك مجموعات على الإنترنت متخصصة بزواج الأخوات، قمت وبعض النسوة الأجانب بالتعرف على الرجال عن طريقها، وتم تهريبنا من المخيم عن طريق دفع رشاوى نقدية من قبل أزواجنا الجدد”.

بحبكة درامية مرعبة، تقول “أم عدنان” وهي من النساء الخارجات من المخيم مؤخراً، “تم تهريبي وأولادي ومجموعة من النسوة عن طريق تخفينا داخل صهاريج خزانات المياه كانت رحلة محفوفة بالمخاطر والموت أولها، دفعنا الكثير من الدولارات حتى وصلنا لبيوتنا وأراضينا من جديد، رغم إنني لا أعلم من أين أعيش الآن وأولادي، لكني سعيدة لعدم بقائي داخل ذلك السجن، وعدم تمكن النظام من اعتقالي حال استيلائه على المنطقة من جديد”.

وأضافت “منذ ذلك الحين أبقى جليسة منزلي ولا أغادره، يتصدق علي الجيران والمعارف ببعض بقايا الطعام، ورغم معرفتي عن المساعدات المقدمة من قبل المنظمات إلا إنني غير قادرة التسجيل والاستفادة منها، لأنه لا يوجد لدي أي أوراق ثبوتية لأولادي، ولا أرغب بعودتي للمخيم مرة أخرى”.

لم يأثر زواج غالبية السوريات من المقاتلين مجهولي الهوية عليهن فقط، إنما تجاوزهن ليصبح جريمة بحق الأطفال، يقول المحامي “مرهف” في حديث خاص له مع SY24، إن “القانون السوري ينص على أن الطفل الذي يولد لأم سورية وأب أجنبي لا تنتقل إليه الجنسية السورية، ولا يحصل على حقوق ومميزات المواطن السوري، كما لا يعترف القانون بزواج السورية من أجنبي إلا ضمن شروط خاصة، أهمها موافقة وزارة الداخلية على الزواج وشهادة صحية تضمن الخلو من الأمراض وأن يتم الزواج في المحكمة”.

وحول هذا السياق، تخبرنا “سوسن” عن معاناتها في تقيد ابنها في النفوس، وتقول: “كان الخطأ الأكبر في زواجي هو عدم قدرتي على تثبيت الزواج في المحكمة والاكتفاء بعقد القران بواسطة رجل دين، لتبدأ الصعوبات بعد اختفاء زوجي وولادة طفلي، حيث حاولت كثيراً تسجيله لينال أوراقا ثبوتية ويحصل على حقوقه، ولكن ذلك كان أمراً معقداً للغاية، وهذا ما فرض علي تقيد ابني على اسم والدي لأصبح وابني أخوة في القانون”.

في ظل حرب قاسية اجتاحت حياة السوريين دون رحمة، مازالت النساء تحصد ثمن الزواج من المقاتلين مجهولي الهوية، ليكونوا وأطفالهم الضحايا الأكبر في ذلك ويحصدون تخلي المجتمع عنهم، وينتظرون بيأس مستقبلهم المجهول.

الجدير بالذكر بحسب بعض الإحصائيات السابقة، فقد بلغ عدد النساء المتزوجات من مقاتلين أجانب حتى آذار 2018 حوالي 1735سيدة، وأنتجت زيجات ما يقارب 1124 امرأة من هؤلاء النساء عن أطفال والذين يُقدر عددهم بحوالي 1826 طفلاً، بينما يقدر العدد الحالي للمحتجزين في مخيمات الهول ونواحيها بما يقارب 60 ألف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال.